الاحتلال يعتقل 15 مواطنا من الضفة    الاحتلال يغلق الحرم الإبراهيمي بحجة الأعياد اليهودية    234 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى    مع دخول العدوان يومه الـ201: الاحتلال يكثف غاراته على قطاع غزة مخلّفا شهداء وجرحى    برنامج الأغذية العالمي: نصف سكان قطاع غزة يعانون من الجوع    شهداء وجرحى في غارات إسرائيلية على قطاع غزة    قوات الاحتلال تقتحم قرى في محافظة جنين    الخارجية الأميركية: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    الصحة: ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة والضفة إلى34637 منذ السابع من تشرين الأول    في اليوم الـ200 للعدوان: شهداء وجرحى في قصف على مناطق متفرقة من قطاع غزة    المعتقل عزات غوادرة من جنين يدخل عامه الـ22 في سجون الإحتلال    200 يوم من العدوان: الاحتلال يستهدف شواطئ غزة وسلسلة غارات شمال القطاع    استشهاد شاب وإصابة آخرين برصاص قوات الاحتلال في أريحا    مسؤول أممي: اكتشاف مقبرة جماعية في قطاع غزة "مثيرة للقلق" وندعو لتحقيق "موثوق"    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 34,097 منذ بدء العدوان  

ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 34,097 منذ بدء العدوان

الآن

البحر الميت.. حين تخشى الغرق!

رحمة حجة 

الصورة من موقع "فليكر" لـ Mr. Kris

كان يسبح في "عمق السديم"، كأن أحدًا لا يراه، سوى كاميرا توثق احترافه. الكُلّ استلقى على ظهره أو جلس في امتداد البحر المالح، إلا هو، يحرك ذراعيه بانتظام في مواجهة كثافة الماء العالية، ويصنع حوله موجًا من العدم.

يأتي نحونا بسَكِينة خُرافيّة، والشمس تكسرُ أشعتها على جسده المتجانِس مع الماء، وما أن يصل أصدقاءه حتى يعود عاديًا يُثرثر ويضحك ويكمل طقوس هذا البحر معنا. ونمضي فرادى إلى صنابير المياه الحلوة على الشاطئ، للتخلص من بقايا الطين العالقة بنا، وتحت أحدها نجتمعُ: أنا وسويدية ومقدسيّ، ونتبادلُ الفرَح.

وعند الحافلة، نتذكر كم نحن جائعون بعد يوم طويل من الطفو على سطح الماء والسير فيه أو دهن أجسادنا بالطين "السحري"، لنتناول ما تبقى من طعام فطورنا الذي كان على بُعد كيلومترات من "بحيرة الإسفلت" حسب تسمية لاتينية قديمة، وسط ممر واسع مليء بالحجارة الملونة والتشققات الأرضية الخفيفة، وبعض أزهار الأقحوان الأصفر.

لا عودة

من أجمل اللحظات في مسارات المشي الطويلة "Hiking"، النظر إلى الخلف بعد إدراك الهدف، إذ تسألُ نفسكَ راضيًا "أحقًا سرنا كلّ هذه المسافة؟"، فكيف إذا لم تكن الطريق سهلة؟ حيث المرتفعات والمسارب الوعرة والوديان وتجمعات المياه (عمقها أكثر من متر) التي لا فِكاك من عبورها، ناهيك عن النزول عبر السلالم الحديدية المغروسة في الجدران الحجرية، أو بواسطة حبال التسلق.

وفي هذه الرياضة، خيار العودة محذوف دون نيل المُراد، وعليك أن تُواصل بالمُتاح، ما يُحفز العقل على التفكير المبدع لاستنباط الحلول. فحين نزلتُ على سلم حديدي لأول مرة، ونزل عدد خبِرهُ سابقًا قبلنا، تتالت الإرشادات في سمعي "أخفِضي قدمك خطوة صغيرة إلى اليمين.. أطول إلى اليسار.. إلى درجة أخرى بينهما" حتى آخر درجة، حيثُ هدأ معها قلبي المتوجّس وقوعي فجأة.

وبين (7:30 صباحًا- 3:00 مساءً) مشينا في يوم ربيعي لم يضف إلى طريق صحراوية أكثر من بضع ورود وأعشاب انبجست من الصخور. أما البداية، فكانت من أمام مقام النبي موسى (8 كلم جنوب غرب أريحا)، المكتمل بناؤه عام 1269 خلال فترة حكم السلطان المملوكي الظاهر بيبرس.

نصعد جبالًا ونهبط منحدرات، يقع أحدنا، ونتبادل أحاديث تعرّفنا ببعضنا، ويسبقنا آخر لنقطة لن نذهبها، ثم تكون النداءات، تتأرجح داخلها الضحكات، والخروج عن الجماعة لا يطول، فالمغامرات الشخصية بالذهاب إلى وجهة مغايرة سرعان ما تنتهي للحفاظ مجددًا على المسار، الذي تزيّن بوجود مخطوبين بيننا، رسما معالمه بالحب.

والكتابة عن "شطحة" ومساراتها، تستلزم ذكر ميزاتها: الأُلفة، وفطورها الجماعي الخالي من منتجات الاحتلال، ومعرفة الجديد من رأي وفعل وبيئة في كل مسار.


بينَ بين

في الثلث الثاني من المسافة بين "النبي موسى" والبحر الميت، لم نكن وحدنا بعد أن عبرنا تجمّعين للمياه في الوادي، وأقبَلنا على نزول السلالم. كان عدد من عناصر "الدفاع المدني" الإسرائيلي يتدربون على التسلق، ويبدو أنهم يجربون أدوات ووسائل أحدث ويختبرون سرعتهم في استخدامها.

وما أن تجاوزناهم في نزول سلالم أخرى، قابلنا العديد من العائلات الإسرائيلية التي جاءت مثلنا، للسير والاكتشاف (المسار معكوسًا). كان بينهم أطفال رُضّع، وآخرون أعمارهم متفاوتة. أوشكتُ على تنبيه ذوي الأطفال من وجود ماء في الأعلى، يتجاوز عمقه أطوال أبنائهم، فهمس لي أحدُنا "تخافيش عليهم. متعودين بدبروا حالهم"، وتُضحكني المفارقة وتؤلمني المفارقة بيننا وهُم.

والـ"Hiking" الذي يمارسه الإسرائيليون جزء من الوعي الجمعي الموجود أساسًا في مناهجهم التربوية والتعليمية. وفي تقرير لوزارة الخارجية في حكومة الاحتلال، يقول كاتبه آرئيل بلوم: "يُغرس حب المشي في قلوب الإسرائيليين منذ نعومة أظفاره، فجذوره تعود إلى عصر التوراة. وبدءًا من الصف الأول ينطلق جميع طلاب المدارس الإسرائيلية في رحلة مشي سنوية. وعلى طول الطريق هناك مواقع أثرية عديدة تضيف تفاصيل أخرى عن تأريخ الشعب اليهودي في الأرض المقدّسة".

ويبرر بلوم زيادة إقبال الإسرائيليين على هذه الرياضة، بأن "إسرائيل محاطة بدول معادية؛ بالتالي لم يتمتع مواطنوها بنفس الرحلات على الطريقة التي يتمتع بها مواطنو دول أمريكا الشمالية أو أوروبا."

ولا يكتفي الموقع الرسمي بسرد الأسباب، إذ يُدرج أهم "المسارات في إسرائيل"، والعلاقة الدينية والتاريخية الوشيجة بينها و"الشعب اليهودي".

أول "دعسة"

ها هو "بحر الملح" (الكتاب المقدس- العهد القديم)، يكتمل في بصري، أزرق غامق كما في الصور، وتغمُرني الدهشة في أوّل نظرة، وكلّ جميلٍ في البُعد مدهش، لكن ماذا إن اقتربنا منه؟

رغم علمي بصعوبة الغرق في "بحر لوط" (تسمية الرحّالة الفارسي ناصر خرسو)، إلا أن خوفًا اعتراني قبل التوغل لمسافة أكثر من مترين. كنتُ أطعنُ الطين بقدميّ المرتبكتين، وأشعر أن الجرح فيه يكبر مع كل خطوة.

خشيت أن أعلَقَ أو أسقط فجأة ويرشق الملح عينيّ فيذهبَ بصري قليلًا، فامتدت يد إحدى المشاركات في الــ"شطحة"، تساعدني وتدفعني للتجربة التي "لن تؤذيني". كما أرشدني آخر إلى كيفية الاستلقاء على ظهري مثل الجميع هنا، أو حتى الجلوس، وأظن رغم كل المساعدة لم أسلم من تسارع ضربات قلبي المرتاب غدر الماء المالح، فحاولتُ ضبطها بالضحك وإغماض عينيّ!

الصور المرفقة

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024