الطيراوي : على إسرائيل الانشغال ببيتها الداخلي بدلا من امنياتها العبثية حول اليوم التالي    وفد حركة "فتح" يطمئن على جرحى غزة في "مستشفى معهد ناصر" بالقاهرة    ارتفاع حصيلة عدوان الاحتلال على مدينة جنين ومخيمها إلى ثلاثة شهداء وسبع إصابات    غزة: شهداء وجرحى في سلسلة غارات اسرائيلية واقتحام مجمع ناصر الطبي واعتقال كوادر طبية    7 شهداء في غارة اسرائيلية على بلدة الهبارية جنوب لبنان    استشهاد شاب برصاص الاحتلال في جنين    مجلس الأمن يناقش الأوضاع في الشرق الأوسط بما فيها القضية الفلسطينية    شهداء وجرحى في غارات إسرائيلية على رفح والنصيرات وخان يونس    ارتفاع حصيلة العدوان على قطاع غزة إلى 32414 شهيد و74787 إصابة    وفد "فتح" يطلع وزير خارجية مصر على الأوضاع الإنسانية والسياسية في الأراضي الفلسطينية    ناشطون يطلقون حملة لمقاطعة شركة (intel) الأميركية لدعمها نظام الفصل العنصري الإسرائيلي    ثلاث إصابات بالرصاص خلال مواجهات مع الاحتلال في نابلس    شهداء وجرحى في سلسلة غارات وقصف مدفعي بمحيط مستشفى الشفاء ومناطق متفرقة بالقطاع    الاحتلال يعتقل 15 مواطنا من مناطق متفرقة من الضفة    سبعة شهداء في قصف للاحتلال استهدف منتظري مساعدات في مدينة غزة  

سبعة شهداء في قصف للاحتلال استهدف منتظري مساعدات في مدينة غزة

الآن

مدنية !!! قصة قصيرة بقلم / د.عبد الرحيم جاموس

 سليم ولد بعد وفاة والده الفلاح بثلاثة أشهر، تعهدته والدته وحيداً، ووحيدة، صابرة على الوحدة، ناذرة نفسها لسليم، متحدية ظروف الترمل واليتم، نجح سليم في الثانوية بعد عقدين من ولادته، وقُبلَ في معهد المعلمين، تخرج بعد سنتين، عين معلماً في مدرسة القرية، أمه الأرملة فرحت به ...، رأت فيه ثمرة سنين ترملها وشقائها، ومكابدتها السنين وحيدة مع وحيدها ...، لكن أم سليم لم تكتمل فرحتها إلا بزواج سليم، فبدأت مشوار البحث عن الزوجة الجميلة، والمناسبة، واللائقة للإقتران بولدها وفلذة كبدها، المتعلم، والمُعلم في مدرسة القرية، وقع اختيار أم سليم على سمية بنت النجار، جميلة، مؤدبة، وبنت بلد أصيلة، وافق المعلم سليم على اختيار أمه لشريكة حياته، شريطة أن تصبح سمية مدنية ...، لأنه لا يليق به وبمقامه كمتعلم ومعلم، أن يقترن بفلاحة قروية ...!، دُهشَتْ أم سليم، وعجبت من اشتراط سليم مثل هذا الشرط، صدمت ... صمتت، وبعد بُرهةٍ نطقت : (( يمة سمية بنت النجار فلاحة قروية مثلنا، كيف بدها تصير مدنية ؟!! وإن قبلت وصارت مدنية ... مين يمة بِدُو يشرف على رزقياتكم ..؟!!، بِدَكْ تسلمهن للغير ..؟!!، يمة أنا ربيتك وكبرتك وعلمتك من هالرزقيات ...!!! يا خوفي بعد ما أموت تروح مضيعهن ..؟!! )) دَهْشَة، وتَعجُب، أم سليم، لم تثنِ سليم عن اشتراطه، استسلمت له أم سليم وقالت: (( أمرنا لله يا سليم راح اعرض شرطك على سمية بنت النجار، إن قبلت هَيْها صارتْ مدنية، وصارتْ زوجة إلكْ يَمة ...!!)). بعد تردد وافقت سمية بنت النجار على شرط سليم، وتم زواج سليم وسمية، وأكملت أم سليم فرحتها ... ومشوارها وحيدة بزواج سليم ...! سمية بنت النجار الفلاحة القروية، أصبحت حضرية، مدنية في بيت الزوجية، لا تغادره إلا نادراً ... لا تذهب إلى الفرن، لا تسرح إلى الحقول والمزارع مثل نساء القرية، غيرت طقوسها، وملابسها الشعبية القروية، المطرزة بخيوط الحرير، واستبدلتها بالفساتين الملونة داخل البيت، وإذا أتيح لها الخروج من البيت لزيارة أهلها أو لقضاء بعض الحاجات الضرورية، لبست (الطاقية) الكاب الأسود والكفوف السوداء وغطاء الرأس الأسود وكذلك الوجه، من ينظر إليها لا يرى منها شيئاً، لا يستطيع أن يعرف إن كانت هذه انسانة أم شبحاً، مثلها مثلُ المدنياتِ في مدن الشام، حلب، القدس، نابلس ....! سمية المدنية، لم يعد يراها أحد، لا يرى جمال وجهها سوى المُعلم سليم زوجها ... حتى الشمس لم تعد تراها ...!!! باتت سمية، حديث النسوة في القرية، بين حاسدة لها على مدنيتها، وبين ساخرة منها، ومن هذه المدنية ...!!! متسائلات، إن كانت المدنية هي خطوة إلى الأمام، أم خطوة إلى الوراء ...؟!!! لم يمض وقت طويل، حتى ضاقت سمية ذرعاً بنمط الحياة الجديدة، التي فرضها عليها زواجها بالمعلم سليم، هذا النمط غير المألوف لها ولا لناس القرية التي ولدت وتربت وترعرعت فيها، حنت سمية إلى ثوبها القديم، الأبيض المطرز بخيوط الحرير، وإلى شال الحرير يلف وسطها، وأشعة الشمس تلفح وجناتها، وتظهر بريق عينيها الواسعتين، والى الحقول، وطيورها الغناء، وشدو بلابلها على أغصان الأشجار، والى قطف ثمار الفاكهة، وحبات الزيتون بيديها ... والى ماضيها الجميل مع بنات القرية، يتسابقن على ملء جرارهن من العين، وحنت إلى جمال الحياة الطبيعية التي حرمها إياها (الطاقية) الكاب الأسود والغطاء والكفوف والجوارب السوداء ... إنها المدنية المقلوبة، والمعكوسة، مدنية الحرمان، مدنية فقد الحرية الطبيعية ... تلك مدنية غريبة عن القرية وأهلها، دخيلة عليها، لا تتوافق ومتطلبات الحياة فيها ...!!! لم يمض وقت طويل، حتى عاد سليم إلى البيت، بعد يوم عمل شاق مع التلاميذ في مدرسة القرية، ليجد سمية قد انتهت لتوها من تمزيق (الطاقية) الكاب الأسود وغطاء الرأس والوجه والكفوف والجوارب السـوداء وكل ما يمـت إلى هـذه المدنيـة المستوردة، والغريبة، ولبسـت ملابسـها القــديمة التي كانت تحتفظ بها، قبل تمدنها المزعوم والمفروض، من أجل الزواج من سليم ...! فوجئ سليم ... ودهش مما شاهده من تغير سمية وانقلابها وإصرارها على موقفها ...!!! _ صرخ سليم بأعلى صوته في وجهها ... _ ما هذا يا سمية ...؟! + هذا ما تراه عيناك يا سليم ...!!! _هل جننتِ ؟!! + كلا ... بل عقلتُ يا سليم ...!!! _ إن ما تفعلينه أمر عظيم ...!!! _ ماذا سيقول عني أهل القرية ...!!! _ ماذا سيقول زملائي في المدرسة ...!!! + يقولوا ... إللي يقولوا ...!!! + أنا لا امي مدنية ... + ولا جدتي عثمانية ... + أنا فلاحة عربية ... + من أصول بدوية ... + هاوية للعمل والحرية ... + بضرب بالفأس والطورية ... + مش غاوية قعدة البيت مثل حرمة بدون صنعة وهوية ... + أنا إمرأة فلاحة هويتها عربية ... + لا شرقية، لا غربية، ولا عثمانية ... + ولا هذهِ ... ( هِيّ المدنية ) ...!!! سليم هز رأسه، هدأت ثورته، صمت قليلاً، ثم نطق ... _ نعم يا سمية .. نعم يا سمية ... _ صحيتيني .. صحيتيني ...!!! _ أعدتِ لي وعيي ... أعدتِ لي وعيي ... _ أنا أيضاً مثلك مش غاوي العثمانية ... _ ولا هيّ هيك المدنية ...! _ إيدي بإيدك ... _ نمشي بين أهلنا القروية ... _ نسرح على أرضنا بعد العصرية ... _ نتنفس هواها بكل حرية ... _ نقطف من ثمارها الندية ... _ ونعيش عيشة هنية ... + تسلم لي يا سليم ...!! _ تسلمي لي يا سمية ...!! 

Za

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024