الاحتلال يعتقل 15 مواطنا من الضفة    الاحتلال يغلق الحرم الإبراهيمي بحجة الأعياد اليهودية    234 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى    مع دخول العدوان يومه الـ201: الاحتلال يكثف غاراته على قطاع غزة مخلّفا شهداء وجرحى    برنامج الأغذية العالمي: نصف سكان قطاع غزة يعانون من الجوع    شهداء وجرحى في غارات إسرائيلية على قطاع غزة    قوات الاحتلال تقتحم قرى في محافظة جنين    الخارجية الأميركية: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    الصحة: ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة والضفة إلى34637 منذ السابع من تشرين الأول    في اليوم الـ200 للعدوان: شهداء وجرحى في قصف على مناطق متفرقة من قطاع غزة    المعتقل عزات غوادرة من جنين يدخل عامه الـ22 في سجون الإحتلال    200 يوم من العدوان: الاحتلال يستهدف شواطئ غزة وسلسلة غارات شمال القطاع    استشهاد شاب وإصابة آخرين برصاص قوات الاحتلال في أريحا    مسؤول أممي: اكتشاف مقبرة جماعية في قطاع غزة "مثيرة للقلق" وندعو لتحقيق "موثوق"    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 34,097 منذ بدء العدوان  

ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 34,097 منذ بدء العدوان

الآن

الزمن الحلو..

 يامن نوباني

في أحد أعرق وأقدم أسواق فلسطين، خان التجار "السوق العتم"، في قلب مدينة نابلس، على بعد ثلاثين مترا من دخلة مسمكة العقاد، أحد الأبواب الرئيسية والنشطة للسوق، يأتي صوت راغب علامة في آخر لحظات الأغنية، يليه هاني شاكر في أغنيتين من زمن التسعينيات.

من زمن ماضٍ، تدور عجلة الكاسيت، في داخل مسجلة، وضعت بمدخل محل تجاري طوله سبعة أمتار وعرضه متر واحد فقط، من يطل إلى الداخل يرى صفوف الكاسيتات المرتبة، حيث تصطف مئات الكاسيتات المنوعة فوق رفوف خشبية قديمة، مصبوغة بطلاء أخضر، لم تحركها يد منذ مدة تبدو طويلة.

موسى عبد الرؤوف مسعود، (53 عاما)، الذي كان يعمل نجارا في صغره، ويشتري الكاسيتات مما يدخره، استطاع في العام 1990 افتتاح محل صغير لبيع وتجميع "الكاسيتات"، يؤكد انه منذ العام 2000 وحتى العام 2016 لم يبع اكثر من 200 "كاسيت"، بينما في التسعينيات كان يبيعها في اسبوع واحد.

يقول مسعود، أبيع في اليوم "كاسيت" واحدا، وحين تكون هناك سوق أبيع اثنين. فيما مضى كان يباع من الكاسيت الواحد ثلاثين نسخة. وكانت أغاني الحداء والزجل وأغاني الدبكة والفلكلور تشهد الحضور الأكبر، وأتذكر أغنية "حبيبي يا عيني" لـ مايا يزبك، حين صدرت وصنعت في تلك الفترة إقبالا هائلا عليها، وهناك العشرات من الأغاني والألبومات التي كانت تعتبر عنوانا لسنوات طويلة، لكنني الآن لم أعد أتذكرها، لأن الزبائن لم يعودوا يأتون ويذكرونني بها.

ويضيف، حين كانت الناس تمر في السوق وتسمع صوت الجلماوي، كانت تدخل إلى محلي تشتري الكاسيت وتخرج، وكان أهالي الداخل يأتون بكثافة خاصة في أيام السبت ويشترون بكثرة خاصة الأغاني الشعبية.

اليوم يُبقي مسعود الكاسيتات كديكور، بينما يفقد محله هيبته، ويتحول الى محل يعرض مئات الكاسيتات لكنه يبيع ألعابا للأطفال على بسطة في الجهة المقابلة. ويبحث عمن يشتريها دفعة واحدة، ويخلصه منها، فبعضها مر عليه أكثر عشرين عاما دون أن يشتريها أحد.

في شارع حطين، وهو أيضا أحد المداخل الرئيسية للبلدة القديمة في نابلس، أزال كاسيت الحنان، المشهور ببيع كاسيتات الأغاني الشعبية، من رفوفه جميع تلك الكاسيتات التي كانت تُميزه بتنوعها ورتابتها عن باقي المحال، وذلك بحسب صاحبه، يعود إلى قلة الزوار والمشترين.

وفي نفس الشارع، يقع ستوديو وستيريو الأمل، الشاب عطا الله حيدر، يجلس في مكان جده عطا الله عنبتاوي، الذي افتتح محل بيع الكاسيتات في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، وكان من الأوائل في محافظة نابلس.

يتذكر عبد الله من خلال جده، الزمن الذي كانت فيه الكاسيتات تستورد من سوريا والأردن، ويتذكر والده حيدر عنبتاوي الذي انضم للحوار، أن معظم الكاسيتات كانت تأتي عبر شركات ماستر كاسيت، وسوبر كاسيت، ونيو ساوند، وليزر كاسيت.

يقول عبد الله، أنا هنا منذ 16 سنة، بيع الكاسيتات شحيح جدا، لدي ثمانية زبائن منذ بدأت، لا أعرف أسماءهم، لكنني أعرفهم شكلا، يأتون كل ثلاثة أسابيع مرة واحدة.

 ويضيف، لدينا 3 آلاف كاسيت للنسخ، ولا يمكننا بيعها لأنها نسخ يتيمة، كاسيتات دينية قديمة، للإيراني، ومحمد رفعت، وسيد متولي، وغيرهم.. كاسيتات من اغنية واحدة، وأخرى تحت أسماء رومنسيات ومنوعات وسهر وطرب وصباحات وغيرها من العناوين، هناك كاسيتات مُحيت اسماؤها لكثرة قدمها، محمد الدومي صاحب النكت والفكاهيات، منوعات لبنانية ومصرية في الثمانينيات، محمد عبد المطلب، علي حميدة، جمال عرب، الصالح عبد الحي، محرم فؤاد، أغاني فرقة العاشقين، صقور فتح، خطابات صدام حسين وجمال عبد الناصر، أغاني أبو عرب بالنسخة الأصلية، زجل فلسطيني، وحفلات عدن 1 وعدن 2 وفرقة الساحل.

يخرج بضعة كاسيتات للشيخ امام، وأشرطة هندية، وينظم زاوية مخصصة لتلاوة المصحف الشريف، وتفسيره، أصوات لقارئين لم يعودوا على قيد الحياة، مشيرا إلى أن محلهم في زمن مضى كانت الكاسيتات تملأ سقفه وأرضيته.

ويضيف حيدر: بقي بيع الكاسيتات ضخما حتى عام 2000، وكان موسم الأعياد يشهد أكبر إقبال، حيث كان يتم بيع من 3 إلى 4 آلاف كاسيت خلال فترة العيد وحده، يليه موسم الأعراس ونتائج الثانوية العامة، والمناسبات الشخصية كأعياد الميلاد وعيد الحب، وكان الدارج في تلك المرحلة هو تجميع الكاسيت، حيث يتم تجميع ما يقارب 18 أغنية في كاسيت واحد، بتكلفة من 30 إلى 35 شيقلا، وكان الاقبال على هذا النوع من الهدايا يتم بشكل مكثف.

ويتذكر أصحاب تلك المحال، شيوع الأغنية الشعبية، والاقبال الكثيف عليها، خاصة أغاني شفيق كبها، وموسى حافظ، وأبو بسام الجلماوي، والعراني، ومصطفى الخطيب، وغيرهم. وزمن كانت فيه الناس تشتري المواويل، خاصة العراقية، والشعر.. زمن كانت فيه الكاسيتات تُباع على العربات المتنقلة في وسط المدينة.

يؤكد اصحاب محال بيع الكاسيتات ان الفترة الذهبية لهم كانت تقريبا حتى العام 2000، قبل أن يراجع الاقبال بشكل كبير، وذلك سبب طبيعي للحالة على الأرض، والظرف السياسي والأمني الذي عاشته فلسطين، حيث انطلقت انتفاضة الأقصى في نهاية أيلول من العام 2000، وما رافقها من ارتقاء الشهداء ومنع التجوال، وفي تلك المرحلة ازداد الاقبال على الأغاني الوطنية.

لم يعد الكاسيت المجمع والمنسوخ هدية متبادلة بين عاشقين، ولما عادت ملصقات المطربين والحفلات الغنائية تغطي أبواب وجوانب وأسقف المحال التي تبيع الكاسيت. لا يذهب أحد اليوم ليجمع كاسيتات الحارة في مناسبة فرح، ولا أحد ينتظر أسابيع أو أكثر في انتظار نزول ألبوم لمغنٍ يحبه، ووصوله إلى محلات بيع الكاسيتات، فالإنترنت صار يقوم بكل تلك المهام بيسر وسرعة فائقة.

_

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024