في اليوم الـ195 من العدوان: قصف مدفعي مكثف على المناطق الجنوبية لمدينة غزة    انتشال جثامين 11 شهيدا في خان يونس    مجلس الأمن يصوّت غدا على عضوية فلسطين في الأمم المتحدة    مع دخول العدوان يومه الـ194: شهداء وجرحى في قصف الاحتلال المتواصل على قطاع غزة    فصائل المنظمة في لبنان: قضية المعتقلين ستبقى حية وعلى سلّم أولويات شعبنا وقيادته    "أونروا": عثرنا في مدارسنا بخان يونس على قنابل لم تنفجر بوزن 450 كيلو غرام    مجلس الأمن يناقش اليوم التحديات التي تواجه "الأونروا"    الاحتلال يهدم منزل أسيرين في بني نعيم شرق الخليل    يوم الأسير الفلسطيني    المجموعة العربية في الأمم المتحدة تدعو جميع أعضاء مجلس الأمن إلى التصويت لصالح طلب دولة فلسطين لعضوية الأمم المتحدة    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 33,797 والإصابات إلى 76,465 منذ بدء العدوان    "فتح" في ذكرى اعتقاله الـ23: محاولات الاحتلال استهداف القائد مروان البرغوثي لن توهن إرادته    استشهاد طفل وإصابة شابين أحدهما بجروح حرجة خلال مواجهات مع الاحتلال في نابلس    إصابات جراء اطلاق الاحتلال النار صوب النازحين عند شارع الرشيد غرب غزة    القائد مروان البرغوثي يدخل عامه الـ23 في سجون الاحتلال  

القائد مروان البرغوثي يدخل عامه الـ23 في سجون الاحتلال

الآن

هل الجامعات الفلسطينية في أزمة؟منير فاشه

وهل هي جامعات بحثية أم تعليمية؟ وهل الأبحاث فيها ترقى إلى مستوى عالمي؟ أولا وقبل كل شيء، لنكن أصدق وأدق في تعبيرنا – جامعاتنا ليست فلسطينية تماما ...!!!.
الأسئلة المطروحة أعلاه تلهينا عما هو جوهري. أسوأ ما يمكن أن يحدث لإنسان/ مجتمع/ شعب هو أن يكون نسخة عن غيره. سعر لوحة "الموناليزا" بالملايين. سعر أفضل نسخة عنها لا يزيد عن سعر الورق الذي تُطْبَع عليه. كذلك الحال مع الجامعات. أفضل نسخة عن أي جامعة (مهما كانت مرموقة وعالمية) لا تزيد قيمتها عن ثمن بناياتها وممتلكاتها.
لنتوقف، إذن، عن السعي لأن نكون نسخا عن غيرنا. لنتوقف في جامعاتنا عن لعبة التنافس حول أمور رمزية وعن تردادنا – كالببغاء – ما نسمعه ونقرأه وندرسه في جامعات "عالمية". لننزع أنفسنا من أوهام وخرافات الجماعة الأورو-أميركية. دون شك، أبدعت هذه الجماعة باختراع أدوات؛ لنستعملها بحكمة، خطرها يكمن في أنها منذ 500 سنة وضعت العقل على العرش وسجنت الحكمة. معظم ما نشهده من تدمير وتخريب وأزمات في العصر الحاضر هو نتيجة هذا الوضع. نحتاج إلى يقظة وحماية أكثر من تنمية وتطوير بمعناهما الاستهلاكي. انتزاع أنفسنا من هيمنة مسار عالمي ومعايير عالمية هو خطوة أولى في سعينا للتحرر وحكم ذاتنا. لهذا، ومنذ 1971 أنبّه الشباب إلى أن كل إنسان هو مصدر معنى وفهم وعليه أن يمارس قدرته وواجبه وحقّه في أن يكون شريكا في تكوين معنى؛ فاستهلاك المعنى هو أخطر أنواع الاستهلاك.
كان أول من حذّرنا من "الاحتذاء بحذاء الغير" شاب فلسطيني قبل 120 سنة وهو بعمر 18 سنة اسمه خليل السكاكيني. لم نعر أي اهتمام لذلك التنبيه بل أرانا مستمرين في سعينا لنكون نسخة عن الجماعة الأورو-أميركية، نسخة عن جامعاتها التي سيطرت على عقول شعوبها أولا ثم جاءت وسيطرت على عقولنا، عبر بناء "قواعد معرفية" مهّدت الطريق لبناء قواعد عسكرية ومالية فيما بعد. كانت أول قاعدة معرفية في بلاد الشام الجامعة الأمريكية في بيروت، تلتها قواعد صغيرة على شكل مدارس، حددت جميعا ما هو مسموح وما هو غير مسموح. لم يُسْمَح مثلا أن يكون للحكمة مكان في بناء المعرفة لدينا رغم أن أول جامعة عربية (بل ربما على صعيد العالم) كان اسمها "بيت الحكمة".
ما دعاني لأن أكتب ما كتبته أعلاه هما مؤتمران حول التعليم العالي في فلسطين تقوم بالتحضير لهما جامعتا بيرزيت وبيت لحم، ولأني لن أكون متواجدا في فلسطين وقت انعقادهما. أكتب هذا كإسهام آمل أن يكون له معنى في المؤتمرين. ما أقترحه هنا بإلحاح هو إنشاء كلية تحمل اسم وروح بيت الحكمة على غرار بيت الحكمة في بغداد قبل أكثر من 1100 سنة، في جامعة واحدة على الأقل، ولعشرة أشخاص فقط يرغبون بالسير على طريق الحكمة في التعلم لا عن طريق مساقات وتصنيفات أكاديمية (وهو اقتراح بعثت به لجميع الجامعات في فلسطين عام 2008 عبر رسالة لكل منها)، وذلك كتجربة نبني عليها ونستعيد عبرها أمورا تساعدنا في انتزاع أنفسنا من أن نكون نسخا هزيلة عن أصلٍ تحكمه قيم السيطرة والفوز والتراكم الأسّي لرأس المال. لم تكترث أيٌّ منها بالاقتراح، فمربط خيولنا الفكرية واشنطن ولندن وباريس وهامبورغ). إنشاء كلية من هذا النوع سيسهم بتحرير إدراكنا وعقولنا وتعابيرنا من أن تبقى سجينة ضمن جدار عنصري معرفي يمنعنا من الخروج إلى العالم المعرفي الفسيح خارج هيمنة القبيلة الأورو-أميركية. المعرفة التي نكتسبها عبر كلمات ورسوم على ورق أو شاشات هي مثل المأكولات التي نكتسبها عبر صور: في الحالتين لا نشبع ولا نهضم؛ في الحالتين نعيش وَهْمًا – حالة عميقة من التخدير والخداع!
أجد الصورة التي رسمها جلال الدين الرومي في أذهاننا قبل 800 سنة مفيدة في هذا المضمار، إذ استعمل الفرجار كتشبيه لحياة الإنسان حين قال إن عيش أي شخص لا يكتمل إلا إذا كانت هناك نقطة ارتكاز ثابتة لإحدى الساقين بينما تحلق الساق الأخرى كما يحلو لها. الحكمة هي نقطة ارتكازنا؛ كانت بوصلتنا في الماضي ويمكن أن تكون في الحاضر. أؤمن بقوة أن لا أمل للبشرية واستمرار الحياة على الأرض دون استعادة الحكمة في الحياة والتعلم. إذا سمحت جامعة في فلسطين لمن يرغب في السير على طريق الحكمة فإنها تصبح عالمية ليس عن طريق تنافس حول أمور استهلاكية سوقية بل عن طريق طرحها لرؤيا، العالم بأمسّ الحاجة لها.
من الصعب على جامعة مثل "هارفارد" أن تُنْشئ بيت حكمة فيها. عندما زرتها قبل سنتين كانت مليئة بإعلانات مكتوب عليها "بريدج: تعلَّم كيف تغيّر العالم". قلت في نفسي: "صعب جدا على هارفارد أن تعيش يوما واحدا دون عنجهية، فهي جوهر وجودها". باختصار، لدى جامعاتنا حرية أكبر وهي مهيأة أكثر للخروج من الأقفاص التي تسجن عقولنا وخيالنا. ما يمنعنا من الخروج هو "الجدار العنصري" حول عقولنا وخيالنا والذي يملأنا بالخوف إذا حدنا عنه أو فكرنا باختراقه. الجدار العنصري على الأرض يمنعنا من الوصول إلى أراضينا؛ و"الجدار العنصري" حول العقول يمنعنا من الوصول إلى مصادر المعرفة والثقافة والحضارة لدينا. إنشاء بيت حكمة يحرر الذهن والخيال من هيمنة التصنيفات الأكاديمية وهمجية التقييم العمودي، ويساعدنا في استعادة مقومات موجودة لدينا، مثل المجاورة (بدل المؤسسة) كوسيط للتعلم، وما يحسنه الشخص (بدل التقييم العمودي) كمصدر قيمته، والتأمل والاجتهاد (بدلا من التميز والإبداع والتفكير التحليلي النقدي) لصقل المعنى والفهم وتهذيب العلاقات والتعامل، وجدْل نسيج فكري اجتماعي روحي بين الناس (بدل الجدَل)، وما يبحث عنه الشخص في حياته (بدل أبحاث تحكمها سلطات مرخّصة)، والمثنى كعلاقة بين شخصين تتضمن منطقا يختلف عن منطق كل من أرسطو وهيجل وديكارت.
أقترح أن تتكون مجاورة ممن يرغبون في التحادث حول بيت حكمة، تتعاون بإنشائه كل الجامعات عندنا من حيث أن تكون المصادر البشرية والمعرفية فيها متاحة للراغبين في السير على هذا الطريق في التعلم وتوليف معرفة. ربما لا نستطيع تحديد الظروف حولنا لكن نستطيع تحديد كيف نتعامل معها عبر حكم ذاتنا بحكمة.

 

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024