في اليوم الـ195 من العدوان: قصف مدفعي مكثف على المناطق الجنوبية لمدينة غزة    انتشال جثامين 11 شهيدا في خان يونس    مجلس الأمن يصوّت غدا على عضوية فلسطين في الأمم المتحدة    مع دخول العدوان يومه الـ194: شهداء وجرحى في قصف الاحتلال المتواصل على قطاع غزة    فصائل المنظمة في لبنان: قضية المعتقلين ستبقى حية وعلى سلّم أولويات شعبنا وقيادته    "أونروا": عثرنا في مدارسنا بخان يونس على قنابل لم تنفجر بوزن 450 كيلو غرام    مجلس الأمن يناقش اليوم التحديات التي تواجه "الأونروا"    الاحتلال يهدم منزل أسيرين في بني نعيم شرق الخليل    يوم الأسير الفلسطيني    المجموعة العربية في الأمم المتحدة تدعو جميع أعضاء مجلس الأمن إلى التصويت لصالح طلب دولة فلسطين لعضوية الأمم المتحدة    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 33,797 والإصابات إلى 76,465 منذ بدء العدوان    "فتح" في ذكرى اعتقاله الـ23: محاولات الاحتلال استهداف القائد مروان البرغوثي لن توهن إرادته    استشهاد طفل وإصابة شابين أحدهما بجروح حرجة خلال مواجهات مع الاحتلال في نابلس    إصابات جراء اطلاق الاحتلال النار صوب النازحين عند شارع الرشيد غرب غزة    القائد مروان البرغوثي يدخل عامه الـ23 في سجون الاحتلال  

القائد مروان البرغوثي يدخل عامه الـ23 في سجون الاحتلال

الآن

غدير أبو اسنينة: أكتب كل ما يستفزني

ضيف "وفا" (13)

 يامن نوباني

حين ينام أطفالها، ولحظات السفر، هما الوقت الذي تملكه الشابة غدير أبو اسنينة، لإنجاز أعمالها الإبداعية في الأدب والصحافة. تعيش في نيكارغوا، أفقر بلدان أميركا الوسطى، تملك رغبة جامحة في الكتابة، وهذا ما جعلها كاتبة ومترجمة وصحافية، تقول: أكتب كل ما يستفزني.

تكتب حيث تمر، لا تترك سرًا في بلد، في إصدارها الأخير "إخوتي المزينون بالريش" الفائز مؤخرا بجائزة ابن بطوطة 2016 للرحلة العربية عن فئة اليوميات، عن مركز الأدب الجغرافي ودار السويدي في العاصمة أبو ظبي، تكتب أبو اسنينة مشاهداتها وقصصا نقلت إليها في السلفادور والمكسيك ونيكارغوا والأكوادور وكوستاريكا وكوبا وهندوراس وفرنسا وغواتيمالا وفنزويلا، عادات تلك البلاد وغرائبها، ثقافتها وفنونها، والجاليات العربية والفلسطينية فيها.

الفلسطينية غدير أبو اسنينة، درست الأدب الفرنسي في الجامعة الأردنية وجامعة لومييغ ليون في فرنسا، تقيم في نيكاراغوا قبل 13 عاما، حيث أكملت دراسة الماجستير في الأدب الإسباني من جامعة أونان بمناغوا في نيكاراغوا.

ضمن سلسلة "ضيوف وفا" التي تحفر في بدايات واهتمامات وانشغالات مبدعين عرب وفلسطينيين، كان الحوار التالي مع غدير أبو اسنينة.

*من هي غدير ابو سنينة؟ كيف تعرفين عن نفسك؟

عادة أعرف بنفسي بـ"غدير أبو سنينة". وحينما أجدني مضطرة لإيجاد تعريف لأمر مهني أعرف بنفسي مترجمة وصحفية. أؤمن أنني ما زلت أحبو في طريقي الترجمة والصحافة اللذين لم أخترهما بنفسي، لكنني مستمتعة بالعمل في هذين الحقلين، وأجتهد قدر ما أستطيع فيهما.

*تفاصيل طفولتك، أجواء العائلة، والبيئة التي نشأتِ بها والمدن التي عشتها؟

عائلتي تنحدر من مدينة الخليل. أجدادي كانوا يعملون في القدس التي هجروا منها عام 1948 واعتبروا لاجئين. أبي من مواليد الخليل وقد حملته أمه إلى الأردن وهو في أشهره الأولى.

أما بالنسبة لي فعمّان العاصمة هي مسقط رأسي. منطقة وسط البلد كانت أقرب المناطق قربا لمنزل عائلتي القديم، وهي من الأماكن التي تحفر في ذاكرتي وأرى فيها "عمّان" من غير مساحيق تجميل.

قضيت فترة في المرحلة الابتدائية أيضا في الشارقة وهي فترة أعتبرها مؤثرة في تكويني بل في تكوين العائلة. كان الفصل الواحد يضم طلابا من الأردن وفلسطين ومصر ولبنان وسوريا والسودان والإمارات.. إلخ. الهيئة التدريسية أيضا كانت بذلك التنوع (والأمر قائم حتى الآن). المهم أن هذا التنوع كان يثير فضولي لمعرفة اللهجات المنوعة في العالم العربي والتقاليد والعادات بل حتى طريقة اللباس. أذكر مرة أنني في سوق الذهب رأيت امرأة ربما تكون صومالية وعلى وجهها وشم واضح أنه وسم بالكي. كنت صغيرة السن وكدت ألحقها لأسألها ماذا فعلت بوجهها ولماذا، وربما لو سنحت لي الفرصة لأبديت رأيي الرافض لذلك.

عدنا إلى الأردن بعد حرب الخليج الأولى كغيرنا من العائدين في تلك الفترة حتى أتممت دراستي الجامعية في قسم اللغة الفرنسية بكلية الآداب وحصلت على منحة دراسية لمدة عام في مدينة ليون الفرنسية. أما اختياري للفرنسية فقد كان بسبب أن أطول البعثات في الجامعة كانت تمنحها فرنسا، فقبل اختياري التخصص قمت بجولة في أقسام اللغات أسأل عن البعثات الموجودة فيها وحينما علمت بطول فترة البعثة لفرنسا قياسا بأقسام اللغات الأخرى، قررت المغامرة بدراسة اللغة الفرنسية رغم أن نتيجة البعثة لم تكن مضمونة، وتتم بناء على امتحانين ومقابلة وتنافس صعب.  كانت دراسة اللغات بالنسبة لي مدخلا للتعرف إلى الآخر.

في نيكاراغوا، وخلال دراستي الأدب الإسباني تعرفت إلى "لا مالينشه" وهي تنحدر من السكان الأصليين وقد أهداها أهلها للمستعمر الإسباني هرنان كورتيس لمعرفة تخطيطات الإسبان. استطاعت لا مالينشه إجادة القشتالية إلى جانب إجادتها للغة المايا والناهواتل. وحينما خططت قبيلتها للنيل من كورتيس أخبرته بالخطة وأنقذته لأنها وقعت في حبه وكانت تعتقد أنه من الممكن تحقيق "السلام". اعتبرت لا مالينشة خائنة بسبب فعل الترجمة الذي ساعد كورتيس كثيرا في تحالفاته مع القبائل ضد موكتيسوما، الزعيم الأقوى لحاضرة تينوتشيتلان في تلك الفترة. أتقاطع مع لا مالينشة بفعل الترجمة والانفتاح على الغريب لكن ليس المستعمر.

*متى شعرتِ باهتمامك بالأدب؟

أنا مدينة لوالديَّ في هذا الموضوع رغم أنهما وصلا للمرحلة الإعدادية فقط. أبي رجل منفتح رغم انحداره من عائلة محافظة نوعا ما لكنه كان مهتما بمسألة تعليم البنات وتثقيفهن. وأمي كانت من يصحبنا لمعارض الكتب والمكتبات لشراء الروايات والقصص في سن صغيرة عدا عن أنها كانت تقص علينا حكاياتها المأخوذة من حكايات جدتي.

تلك كانت البداية وأعتقد أنك إذا كنت مهتما بالأدب والقراءة فستجد في المدرسة أعوانا لك على ذلك. كنا مجموعة صغيرة تتبادل الكتب وتناقشها. مع هذا، أعتقد أننا لم نجد (أقصد أنا وزميلاتي) من يوجهنا تماما في طريقة الاختيار التي كانت تتم بعشوائية. لم يكن لدينا في المدرسة الحكومية التي درست بها نادٍ حقيقي للقراءة. الهيئة التدريسية بطبيعة الحال أذواقها كلاسيكية وربما أصلا لا يقرؤون. حقيقة لا أذكر أي تشجيع على القراءة في المدرسة اللهم إلا الكتب الدينية البعيدة عن الفكر الحقيقي والمتجهة نحو تيارات سياسية مغلفة بالدين.

لاحقا، في المرحلة الجامعية، تطورت القراءة لكنها لم تخرج عن النمط الكلاسيكي كثيرا. كنت أتبادل مع زميلاتي في قسم اللغة العربية أهم الأعمال الأدبية للقراءة وما كان أساتذة القسم يرونه مهما (وهو كذلك) كان في أزمان مضت. حديثي طبعا ينحصر في نطاق تجربتي في الجامعة الأردنية حيث معظم الأساتذة في ذلك الوقت يركزون على ما هو معروف ويتجنبون الاكتشاف لأنهم يرفضون الاختلاف. للأسف تتخرج أجيال من قسم اللغة العربية لا تعرف ما هي قصيدة النثر، فضلا عن معرفة الشعراء الجدد أو الروائيين الجدد، رغم أن العالم العربي يُقبل على اقتناء المنتجات التكنولوجية المتطورة عاما بعد عام كالهواتف الذكية التي تجد غالبية الناس تهوى تجديدها. لكنها لا تقبل على الجديد في عالم الأدب. والسبب في ذلك برأيي هو قصور التدريس في المدارس والجامعات.

*فزت بجائزة ابن بطوطة 2016 عن كتابك "إخوتي المُزَيّنون بالريش" لماذا فاز الكتاب؟

ربما هذا السؤال من الأفضل أن يطرح على اللجنة فهي التي قررت فوزه، أما أنا فوضعت فيه ما أحب الحديث عنه وما أثر بي.

*هل من حدث معين دفعك إلى الكتابة؟

دائما ما يدفعني حدث معين للكتابة. يصعب علي الكتابة عن أي شيء لا يستفزني. منذ 13 سنة تقريبا جئت لنيكاراغوا. العيش في هذا البلد ليس بالأمر السهل فهو أفقر بلد في أميركا الوسطى بعد هايتي. لكن من يقيم فيه لا يملك إلا ان يقع في حبه لبساطته وطيبة قلوب أهله.

كان زوجي عادة ما يحرضني على الترجمة وكنت مترددة بداية حتى حضرت مهرجان غرناطة الشعري واستمعت لإحدى قصائد الشاعر الأكوادوري الشاب أوغستو رودريغس. طلبت منه أن يرسل لي القصيدة التي قرأها وترجمتها بصعوبة بالغة وراجعها لي زوجي فخري رطروط (وهو شاعر أيضا) والشاعر حسين حبش الذي كثيرا ما راجع القصائد المترجمة بعد ذلك.

أما الكتابة الصحفية فقد دعمني بها الشاعر والصحفي عماد فؤاد الذي التقيته أيضا في مهرجان نيكاراغوا الشعري عام 2010، وراجع لي نصوصا صحفية في بداية عملي في هذا المجال.

*هل تزورين فلسطين؟ كيف تتابعين ما يجري وتكتبين عنه؟ خاصة أن لك عدة تقارير وكتابات من عمق الأحداث..

لم أزر فلسطين. وكتابتي عنها نابعة من تجربة شخصية بحتة جاءت من ذاكرة أجدادي وأهلي ومحيطي. أنا أؤمن أن النص المؤثر هو النص الصادق والنص المفتعل سيظهر فورا وسيكون منفرا حتى لو نال بعض التصفيق. أنا أكتب عن فلسطين لأنني لم أخرج منها بإرادتي. دعني أخبرك أمرا عني يتعلق بالانتماء، فكلمة الانتماء بمعناها العام لا تمثلني. أحترم انتماءات الناس لكنني لا أستطيع حصر نفسي فيها. الانتماء للوطن مثلا أو للعائلة بمفهومها القبلي لا يمثلاني. ماذا لو ولدت وأنا غير فلسطينية؟ هناك محرّك فكري وآخر روحي يدفعني للكتابة عن فلسطين. أما الفكري فهو إيماني بالحق الإنساني للفلسطينيين الذين ولدوا وولد أجدادهم فيها وارتبطوا بها بعيدا عن الأبعاد الدينية التي تأتي في مرتبة ثانوية. وأما المحرك الروحي فهو ناشئ عن معايشتي له منذ ولدت من خلال أحاديث أجدادي وعادات أهلي التي لم تتأثر بتغير المكان. فلسطين بالنسبة لي هي وجها جدّتيَّ لأبي وأمي وأحاديثهما دوما عن تلك البلاد. هي اجتماع العائلة في حاكورة البيت الكبير واستذكارها تاريخ خروجها، هي دبس العنب الذي كان يصلنا من الخليل مع "الدقة" وهي الزعتر كما يسميه أهل الخليل. هذه التفاصيل الصغيرة تشكل فلسطين التي أرتبط بها روحيا. إقامتي في نيكاراغوا وزيارتي لبعض الدول في القارة جعلتني أؤمن أننا لسنا وحدنا من يعاني. وأن الوقوف مع الحق لا يعني بالضرورة أن تكون المتضرر المباشر. حينما كنت في المكسيك رأيت نساء قبائل السكان الأصليين تبيع في بسطات على قارعات الطريق. السكان الأصليون هم أفقر أهالي تلك البلاد مع أنهم أبناء الأرض منذ آلاف السنين. هل سأكتب عنهم بطريقة تختلف عن كتابتي لفلسطين؟ لا أعتقد.

*ماذا تترجمين ومنذ متى، تبرز لديك ترجمة شعر أمريكا اللاتينية، ما السر في ذلك؟ هل لديك مشروعا في الترجمة؟

ترجماتي مختلفة وعادة ما أسعى لترجمة غير المعروفين في الوطن العربي. هناك مركزية أوروبية غير خافية في الأدب، أحاول الابتعاد عنها ما استطعت. أحاول ترجمة الجميل والجيد بغض النظر إن كان الشاعر معروفا أم لا، وبغض النظر عن عمره.. إلخ. المقياس هو النص، والشعر في أميركا اللاتينية عميق ومختلف. أتعاون مع موقع إلكتروني حر حاليا الذي يديره الشاعر المغربي جلال الحكماوي لترجمة مجموعات شعرية لدول أميركا اللاتينية على أمل جمعها في أنطولوجيا لاحقا.

وهناك أنطولوجيا شعرية لشعراء لاتينيين من أصل عربي ستصدر قريبا، وترجمات لم تر طريقها للنشر بعد.

المشاكل تقل كلما ترجمت أكثر بمعنى أن ممارسة الترجمة أكثر تكسبك خبرة أكثر. هناك بعض المشاكل المتعلقة باستخدام كلمات محلية وأحيانا يكون الشعر في اللغة الاصلية أصلا صعبا. هذه التجربة مثلا مررت بها خلال ترجمتي لشاعر من أجمل الشعراء وأفضلهم ليس في تشيلي فقط بل في أميركا اللاتينية هو راؤول سوريتا. استمعت لشعره في مهرجان غرناطة وتأثرت به وهو إلى جانب نبوغه الشعري فهو شخص متواضع جدا ومحبوب رغم شهرته. قررت ترجمة القصيدة التي قرأ جزءا منها حين اكتشفت أنها ملحمة شعرية. ورغم صعوبتها لكنني لم أستمتع يوما بترجمة شاعر كما حصل معه. طبعا إضافة لتجارب أخرى، مثل الشاعر الهندوراسي من أصل فلسطيني رولاندو قطان، فشعره بسيط وعميق جدا وأتمنى ان أنتهي من ترجمة ديوان كامل له.

*ماذا أضافت الترجمة لغدير؟

معرفتي بشعراء مثل سوريتا وقطان ودينيس آفيلا وزوجته الشاعرة باولا اللذين يعملان على برامج معالجة الإدمان بالشعر مثلا. الترجمة أدخلتني لعوالم أميركا اللاتينية أكثر. أحيانا كثيرة من أجل أن أفهم كلمة كان علي قراءة الكثير لمعرفة الجو العام لما يقصد الشاعر.

معرفتي أيضا بالشاعر أمبر باست واطلاعي على بعض من معاناة السكان الأصليين من خلالها. النصوص كانت نافذتي على القارة.

*مدن وأمكنة غريبة زرتها، ومواقف علقت بقوة في ذاكرتك؟

زيارة العراب الكوبي خيلبيرتو وفي غواتيمالا زيارتي لنزل "دون رودريغس" وقد ذكرت ذلك في الكتاب.

أما ما لم أذكره فهو المرور بمدينة اسمها ديريامبا يقال إنها تجمع السحرة في نيكاراغوا. عادة أتذكر الأشياء التي تخيفني وأنا سريعة الخوف. حينما مررنا بالخطأ بتلك البلدة كان الناس يتجمعون حول السيارة كلما توقفنا لسؤالهم عن الطريق الرئيسي. كانت نوافذ السيارة مفتوحة وكانوا يطلون برؤوسهم للداخل وهم يجيبون ولأنني سمعت أنها مدينة السحرة فقد كنت أتخيلهم مشعوذين.

*هل تمليكن عزلتك الخاصة – في القراءة والكتابة-؟

السهر بعد نوم أطفالي ووقت السفر. لكن الكتابة بالنسبة لي ليست مرتبطة بالعزلة فقط بل بالإحساس بالرغبة الجامحة للكتابة. حينما أود كتابة أي موضوع أفكر به طيلة اليوم، وعند النوم أرتب الأفكار وفي اليوم التالي أختار الوقت المناسب للكتابة.

في "اخوتي المزينون بالريش" تروي أبو اسنينة التاريخ المشترك بين العرب والنيكاراغويين، فهناك كفاح مشترك بين الثوار النيكاراغويين والعرب، فمثلا عمر شبلي ابن المهاجر العربي إلى نيكاراغوا استشهد خلال كفاحه ضد سلطة الدكتاتور سيموسا، وهذا ما دفع الحكومة النيكاراغوية إلى إطلاق اسمه على حي سكني كامل تكريما له.

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024