الأحمد يتصل بالنائب سعد مهنئاً بالسلامة    في اليوم الـ195 من العدوان: قصف مدفعي مكثف على المناطق الجنوبية لمدينة غزة    انتشال جثامين 11 شهيدا في خان يونس    مجلس الأمن يصوّت غدا على عضوية فلسطين في الأمم المتحدة    مع دخول العدوان يومه الـ194: شهداء وجرحى في قصف الاحتلال المتواصل على قطاع غزة    فصائل المنظمة في لبنان: قضية المعتقلين ستبقى حية وعلى سلّم أولويات شعبنا وقيادته    "أونروا": عثرنا في مدارسنا بخان يونس على قنابل لم تنفجر بوزن 450 كيلو غرام    مجلس الأمن يناقش اليوم التحديات التي تواجه "الأونروا"    الاحتلال يهدم منزل أسيرين في بني نعيم شرق الخليل    يوم الأسير الفلسطيني    المجموعة العربية في الأمم المتحدة تدعو جميع أعضاء مجلس الأمن إلى التصويت لصالح طلب دولة فلسطين لعضوية الأمم المتحدة    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 33,797 والإصابات إلى 76,465 منذ بدء العدوان    "فتح" في ذكرى اعتقاله الـ23: محاولات الاحتلال استهداف القائد مروان البرغوثي لن توهن إرادته    استشهاد طفل وإصابة شابين أحدهما بجروح حرجة خلال مواجهات مع الاحتلال في نابلس    إصابات جراء اطلاق الاحتلال النار صوب النازحين عند شارع الرشيد غرب غزة  

إصابات جراء اطلاق الاحتلال النار صوب النازحين عند شارع الرشيد غرب غزة

الآن

مهند الهريشات .. جرح انتفاضة الحجارة ومقلاعها

يقبض مهند عبد الرؤوف الهريشات على آخر صورة فوتغرافية التقطها قبل إصابته بأول رصاصة أطلقها جنود الاحتلال الإسرائيلي على فتية طوباس، مطلع انتفاضة الحجارة.

في المشهد القديم، كان الراوي يقف خلف حائط أزهار مستعار، ويرتدي الجينز الأزرق والحذاء نفسه الذي جُرح به، وفي الجسد بقايا شظايا رصاص متفجر، نال منه صباح الأربعاء 21 كانون الأول 1987، أما الذاكرة فتختزن الوجع والابتسامات.

يسرد الهريشات خلال الحلقة (58) ضمن "أصوات من طوباس"، التي تنفذها وزارة الإعلام في المحافظة: شاهدت الجندي الأسمر الذي أطلق النار على صديقي باسم صوافطة، وحين حملت الشهيد ونقلته عدة أمتار، عدت إلى المكان نفسه بجوار مسجد التوحيد بطوباس القديمة، لكن الجندي ذاته الذي يحتل سطح منزل فايز أبو دواس أطلق النار عليّ هذه المرة. وقتها كنت أحمل مقلاعًا، وأجلس على ركبتي اليمني، فأصابت الرصاصة أسفل الحوض، وطرت في الهواء، وشعرت بسخونة الطلقة.

زي ولثام

كان مهند، الذي جاء إلى الدنيا في 12 آب 1969، يلبس كيس نايلون أبيض يغطي معظم جسده، ويلف وجهه بلثام، فيما تمسك يده مقلاعًا من خيوط سوداء، أخذها خلسة من مقتنيات والده المزارع، الذي كان يستعمل الأداة لطرد الطيور عن حقول الذرة البيضاء في أراضي بردلا والأغوار الشمالية. وظل المقلاع يضغط على أصبعه، ودمه ينزف.

يضحك: اخترعت وأبناء مجموعتي الزي الرسمي لنشطاء الانتفاضة في طوباس، وصار كل الشبان في الوطن يقلدون لباسنا، فأكياس الحبوب والعلف والطحين الفارغة كثيرة ورخيصة، لكن كان لها مفعول السحر. وكل ما فعلناه، أننا أحدثنا فتحة للرأس والذراعين، وغطينا جسدنا حتى القدمين، ومشينا.

يروي: أصابتني الرصاصة، وشعرت بدوار شديد، وتضخمت رجلي، وكنت ملثمًا وأمسك "المقليعة"، وحين وقعت على الأرض، ولم يعرفني أحد، فحملني الشباب ونقلوني بعيدًا. وحين جاءت أختي هناء عرفتني رغم لثامي ساعدتني، ونقلني خليل العمري إلى نابلس. وحين وصلنا  بوابة  المركز ( نقطة تواجد جنود الاحتلال وسط طوباس)، فتش الجنود السيارة، وأخذوا هوية السائق.

بكاء وفرح

استقرت 8 شظايا في جسد مهند الفتيّ، وظلت تسبح في دمه منذ 29 عامًا، وقبلها أمضى 15 يومًا في مستشفى الاتحاد، وفي صباح اليوم السادس عشر، همس الأطباء في أذن شقيقه، وأخبروه بأنهم قرروا بتر رجله، لكنه حركها قبل لحظات من التنفيذ، فبكي الجريح وأقرباؤه فرحًا.

يقول: بقيت في المستشفى شهرين، وزارني مدير التربية والتعليم في جنين، وطلبت منه أن أتقدم لامتحان (التوجيهي) فوافق، وصرت أدرس على سرير الشفاء، ويأتي كل يوم مراقبان، ولا أنسى خوفهما من منظر جرحي، فيومها كنت أشاهد عظامي، وأعد طبقات لحم الفخذ.

أمسك الهريشات على وجعه، واجتاز الثانوية العامة بفرعها العلمي، واختار دراسة التمريض، فسجل لأول فصل في الكلية العصرية؛ لكن تصاعد انتفاضة الحجارة، وقمع الاحتلال جعلاه يتوقف عن إكمال حلمه، فعاد لطوباس، فيما رجع الاحتلال لاعتقاله بعد أقل من عام على إصابته، وأمضى سنة في السجن.

يحمل مهند لقب أول جرحى طوباس عام 1987، ولا ينسى الرصاصة التي اخترقت جسد رفيقه باسم على بعد خطوات منه، وأحدثت له نزيفًا داخليًا، ليتقاسم وسام أول شهيد مع نازك صوافطة. فيما يحتل الراوي الترتيب الثالث في عائلته، فتسبقه هناء وهاني، وتلحق به كفاية ومؤيد ووجيه وإياد وتحرير.

فدائي وملفوف

لا تغادر أوجاع الرصاص جسد الهريشات، ويتذكر جيدًا هدوء والدته فاطمة حين سمعت عن إصابته، وكيف كان يذكرها على سرير الشفاء بشقيقها سعيد صوافطة، الذي عاد متسللاً مع رفاق السلاح إلى الأغوار بعد النكسة، ومر على منزلها فوجدها نائمة، وأخذ بهدوء الملفوف من المطبخ، ووضعه في رغيف خبز، وأكمل مسيره، ولم يخبرها بالقصة إلا بعد 20 سنة، فتضحك.

ينهي: أقص لأولادي: حمزة (22 عامًا)، وعبد الرؤوف، ومحمد، وأسد الدين، والمثنى، وصبا ( 8 سنوات) لحظات وجعي الذي لم ينته رغم مرور 29 سنة.

توثيق

بدوره، أشار منسق وزارة الإعلام في طوباس والأغوار الشمالية عبد الباسط خلف، إلى أن الوزارة تتبعت منذ أربع سنوات قصص انتفاضة الحجارة في طوباس، وأعادت كتابة قصص كل شهداء المدينة، ومخيم الفارعة، وطمون، وعقابا، وتياسير، بقالب إنساني. مثلما سردت حكاية أول الأسيرات خلالها، وحكايات منع التجوال والحصار، وفصول التعذيب والقهر في سجن الفارعة.

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024