"ملائكة الرحمة" وعطشى الحرية...
اصطبغت شوارع طوباس بالأبيض، الزي الرسمي للأطباء والممرضين أو "ملائكة الرحمة"، الذين نظموا اعتصاماً مساندًا لأسرى الحرية، وانتشر العشرات في محيط خيمة التضامن وسط المدينة، مطالبين بالتدخل لإنقاذ حياة المضربين عن الطعام منذ 37 يومًا.
وأغلقت سيارة إسعاف الشارع الرئيس، وسط كلمات مؤثرة لمدير وزارة الصحة بالمحافظة جميل دراغمة، جاء فيها:" إلى من لوحت وجوههم شمس الصحاري في نفحة والنقب، وإلى الأمعاء الخاوية في "عسقلان" و"مجدو" و"عوفر"، وإلى الأمهات اللاتي أرضعن أبنائهن لبن الحرية في "تلموند" و"هداريم" و"هشارون"... إلى الذين باعوا هذه الحياة ورضوا بالسجن انتصارًا لكرامتهم لا يقبلون الذل ولا يقبلون الاحتلال، واستطاعوا أن يعلموا العالم إننا في السجن نصنع التاريخ..."
وقال إن الأسرى سينتصرون بمساندة كل شرائح المجتمع لهم، وإن الأمعاء الخاوية ستقهر السجانين بتماسك أصحابها.
وحمل العاملون في القطاع الصحي يافطات دعم للحركة الأسيرة، بشرت بانتصار الأمعاء الخاوية على السجان، فيما وقف الأطباء والممرضون بزي العمل، قبالة دار البلدية، وفي الخلفية أعلام فلسطينية، ولوحة ضخمة لمعدة محاطة بالأسلاك الشائكة، ولم تفلح غيوم أيار وطقسها المعتدل من تبديد حرارة هتاف الحاضرين.
وفي جهة مقابلة، كان الممرض عمر بني مطر (51 عامًا) يستذكر تجربته الاعتقالية، فقد وصلت إليه قيود السجان في تموز 1987، وتعرض للتحقيق في سجني: الفارعة ونابلس المركزي، وكان شاهدًا على الإهمال الطبي، الذي يعانيه الأسرى.
ويتابع: درست التمريض في الأردن، وفي رصيدي اليوم 22 عامًا في مهنة إنسانية، وتحمل ذاكرتي مشاهد مؤلمة للتعذيب، ولا أنسى الوصفة الطبية لممرضي السجن (الأكامول وشرب الماء)، لكل الأوجاع، وهي مسكنات تعرض المريض للخطر.
وقال بني مطر، خلال الحلقة (69) من سلسلة "أصوات من طوباس" لوزارة الإعلام في محافظة طوباس والأغوار الشمالية إن الإضراب عن الطعام يعني تعطيل الأجهزة ألأساسية في الجسم عن العمل، ويستطيع الأسير تحمل الجوع والعطش بين 20-30 يومًا، لكن بعد هذه المدة تبدأ أجهزته الرئيسة بالتلف، ويخسر صاحبها الأملاح والسوائل.
وأوضح أن حرمان الأسرى من الشمس لفترات طويلة، يهدد عظامهم، ويؤثر سلبًا على تزودهم بالكلس، ويحولهم إلى رهائن لهشاشة العظام، مشيرا إلى أن التغذية القسرية للمضربين عن الطعام، التي يجري اتباعها في مدافن ألأحياء، تخالف المهنة الإنسانية، وهي قتل تدريجي، وتهدد الكلية، وتعرض الأسرى لقائمة طويلة من الأمراض المزمنة.
وأكد أن الأسرى يحتاجون إلى ضعف مدة الإضراب للتعافي من تداعياته، فهم يتحولون إلى "جلدة وعظمة"، وإن شرعوا في الإضراب على الطريقة الايرلندية فذلك يهدد استمرار حياتهم، خاصة إن قرروا الامتناع عن شرب الماء والملح.
وأضاف: بعد توقف الأسرى عن الإضراب، وتعافيهم من آثاره، فإنهم يكونون عرضة للفشل الكلوي وأمراض الدماغ، وسكر الدم، وتتضاعف التداعيات السلبية مع سياسة الإهمال الطبي السائدة في سجون الاحتلال منذ أمد بعيد.
ورصدت وزارة الإعلام في المحافظة منذ انطلاق الإضراب عبر برنامجها "أصوات من طوباس" شؤون الحركة الأسيرة، وفعاليات الإضراب المساندة، وخصصت 5 حلقات متتابعة أشارت إلى أقدم أسير في المدينة بعد النكسة، ورسالة أمهات الأسرى، وأصغر متضامنة مع المضربين، والسلسلة التضامنية الطويلة من الفارعة إلى المدينة، وإطلاق (مليون رسالة للحرية) وفاءً لعطشى الحرية.
ـــــــ