في اليوم الـ195 من العدوان: قصف مدفعي مكثف على المناطق الجنوبية لمدينة غزة    انتشال جثامين 11 شهيدا في خان يونس    مجلس الأمن يصوّت غدا على عضوية فلسطين في الأمم المتحدة    مع دخول العدوان يومه الـ194: شهداء وجرحى في قصف الاحتلال المتواصل على قطاع غزة    فصائل المنظمة في لبنان: قضية المعتقلين ستبقى حية وعلى سلّم أولويات شعبنا وقيادته    "أونروا": عثرنا في مدارسنا بخان يونس على قنابل لم تنفجر بوزن 450 كيلو غرام    مجلس الأمن يناقش اليوم التحديات التي تواجه "الأونروا"    الاحتلال يهدم منزل أسيرين في بني نعيم شرق الخليل    يوم الأسير الفلسطيني    المجموعة العربية في الأمم المتحدة تدعو جميع أعضاء مجلس الأمن إلى التصويت لصالح طلب دولة فلسطين لعضوية الأمم المتحدة    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 33,797 والإصابات إلى 76,465 منذ بدء العدوان    "فتح" في ذكرى اعتقاله الـ23: محاولات الاحتلال استهداف القائد مروان البرغوثي لن توهن إرادته    استشهاد طفل وإصابة شابين أحدهما بجروح حرجة خلال مواجهات مع الاحتلال في نابلس    إصابات جراء اطلاق الاحتلال النار صوب النازحين عند شارع الرشيد غرب غزة    القائد مروان البرغوثي يدخل عامه الـ23 في سجون الاحتلال  

القائد مروان البرغوثي يدخل عامه الـ23 في سجون الاحتلال

الآن

حكاية الخطاب

كتب: رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة"

نعم لخطاب الرئيس أبو مازن، أمام الجمعية العامة للامم المتحدة، في دورتها الأخيرة، حكاية تحمل ذاتها على واقعية معطياتها الآخذة، وهي تروي سيرة الحرص والصبر والتدقيق والمراجعة، التعديل والتصويب، واختيار الحرف والكلمة والعبارة، بميزان الموقف الوطني الذي لا يقبل تلاعبا بالكلمات، وبفصاحة الحكمة والتروي، والوضوح والصراحة، لا لتعبر اللغة عن جمالياتها، وحسن امتثالها المعرفي، لصحيح النحو والصرف فحسب، وانما لتقدم أساسا رواية الحق الفلسطينية على اكمل وجه، بقوة النقد المسؤول، وصواب الرؤية، وشجاعة الشكوى، لأن الثوابت المبدئية الفلسطينية، لا تقبل المهادنة ولا المجاملة، ولا ترضى بلغة الاستهلاك، ولا لغة الشعارات والتبجحات الفارغة.

منذ اكثر من أربعة أشهر والخطاب على طاولة الإعداد، عرض الرئيس ابو مازن افكاره الاساسية اول مرة، في شهر ايار الماضي، في اجتماعات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، واللجنة المركزية لحركة فتح، والاجتماعات الموسعة للقيادة الفلسطينية، وتم الاتفاق على مجمل هذه الافكار بعد نقاشات مستفيضة، لتبدأ معها مرحلة الصياغة التي حرص الرئيس على مراجعتها اولا بأول، حتى بلغت مراجعاته للخطاب ستا وخمسين مرة بالتمام والكمال.

وست عشرة ساعة طيران من العاصمة الأردنية عمان الى نيويورك لم ينم فيها الرئيس أبو مازن ولا لدقيقة واحدة، راجع الخطاب أكثر من مرة، مصحِّحا ومنقِّحًا، ومدققا في مواقفه السياسية، وفي مقر إقامته هناك كان الخطاب على الطاولة لمزيد من التفحّص لبنيته وتماسك أفكاره، لأن الكلمة الفلسطينية من على منبر الامم المتحدة، هذه المرة ينبغي ان تكون صريحة الى أبعد حد، بل وجارحة بحنو التطلع والعتب الإنساني، لأجل أن يكف المجتمع الدولي عن مجاملاته الدبلوماسية للقضية الفلسطينية، ليخطو نحو إقرار الحل العادل لهذه القضية، بقوة العدل والنزاهة، والامتثال للشرعية الدولية، بمعاييرها الواحدة  لا المزدوجة.  

ظلت المراجعات للخطاب مستمرة والرئيس ابو مازن يحث ورشة الصياغة، لمزيد من التوضيح بشأن هذا الموقف أو ذاك، قال لي أحد أعضاء الوفد في هذه الزيارة أنه لم يرَ الرئيس ابو مازن متحفّزًا ومتوهّجًا على هذا النحو قبل هذا اليوم، وكأنه مقبل على معركة كبرى، والحق أنّه كان مقبلا على لحظة تاريخية فاصلة، ليقول فيها ما ينبغي لفلسطين أن تقوله للمجتمع الدولي بكل محمولات عذاباتها، وبثبات موقفها في التّحدي والصمود، ولكي تعلن أنها مقبلة على مرحلة جديدة من النضال الوطني في دروب الحرية ذاتها، بوسائل المقاومة المشروعة ذاتها، نحو ذات أهدافها «فإما أن تكون حرًّا أو لا تكون» .

وحدث قبل أن يلتقي الرئيس أبو مازن الرئيس الاميركي دونالد ترامب، بيوم واحد أن زاره في مقر إقامته مسؤول كبير في الاتحاد الاوروبي، سائلا إياه إن كان هناك تغيير في الخطاب الذي سيلقيه لأن «معلومات» لديه أن الرئيس الاميركي سيضغط على الرئيس ابو مازن، لتغيير جوهري في خطابه، فما كان من الرئيس سوى ان قدم له نسخة من الخطاب، وطلب منه أن يتابع معه هذه النسخة أثناء إلقائه الخطاب، موقفًا بموقف، ليرى إن كان هناك تغيير حقّا قد حدث فيه، وبمعنى أن خطاب فلسطين لن يخضع لأي ضغط، ليقول غير ما يريد أن يقول، ولا بأي حال من الأحوال، وهذا ما حدث تمامًا فما من كلمة في المتن تغيّرت، ولا من موقف تبدّل. 

آخر المراجعات للخطاب تمّت على باب قاعة الجمعية العامة للامم المتحدة، وكانت إدارة اجتماع الجمعية العامة، تطلب من كل رئيس وفد في هذا الاجتماع ألّا تطول مدة كلمته عن عشرين إلى خمس وعشرين دقيقة، لكن خطاب الرئيس وهو يضيف توضيحات أكثر لمضمون خطابه من خارج النص، جعلت الخطاب يمتد إلى اثنتين وأربعين دقيقة، وكانت إشارات الضوء الأحمر تحت المنبر بدأت تتلاحق بعد مرور الخمس وعشرين دقيقة مطالبة بالتوقف، غير أن لفلسطين وقتها الأعلى ليواصل الرئيس ابو مازن خطابها دون أن يلتفت لومضات الضوء الأحمر.

صفقت قاعة الجمعية العامة لخطاب الرئيس غير مرة، وما أن انتهى الرئيس من خطابه، حتى احتشد الممر خارج القاعة، بعدد كبير من رؤساء الوفود المشاركة في هذا الاجتماع، لتحية الرئيس، تقديرا لخطابه، واحتراما لشجاعة الجرح الفلسطيني البليغ، ودعما من قلوب مُحِبَّة  له.

يظل أن نؤكد أن هذه الحكاية، حكاية الإعداد والمراجعة والتدقيق والتفحّص، ليست هي ما جعل من خطاب الرئيس خطابًا تاريخيًّا، وبمعنى أنه يؤسس لمرحلة جديدة من العمل الوطني فحسب، وإنما اساسا المضمون هو مَن جعله ويجعله كذلك، إضافة إلى الأسلوب الذي ألقى به الرئيس هذا الخطاب، حيث تجلّت روحه، روحًا فلسطينية عربية وإنسانية أصيلة، وبكامل الفصاحة والمصداقيّة، والتي لا تسعى لغير الحق والعدل والجمال، ولهذا وصلت كلمات الخطاب إلى مرادها في القلوب الطيبة، وبهذا القدر تؤسس حقّا لمرحلة جديدة من النضال والعمل الوطني، في مختلف الساحات، نحو تحقيق كامل أهداف شعبنا العادلة والمشروعة، فالحرية والدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس الشرقية قادمة لا محالة.

 

kh

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024