الأحمد يتصل بالنائب سعد مهنئاً بالسلامة    في اليوم الـ195 من العدوان: قصف مدفعي مكثف على المناطق الجنوبية لمدينة غزة    انتشال جثامين 11 شهيدا في خان يونس    مجلس الأمن يصوّت غدا على عضوية فلسطين في الأمم المتحدة    مع دخول العدوان يومه الـ194: شهداء وجرحى في قصف الاحتلال المتواصل على قطاع غزة    فصائل المنظمة في لبنان: قضية المعتقلين ستبقى حية وعلى سلّم أولويات شعبنا وقيادته    "أونروا": عثرنا في مدارسنا بخان يونس على قنابل لم تنفجر بوزن 450 كيلو غرام    مجلس الأمن يناقش اليوم التحديات التي تواجه "الأونروا"    الاحتلال يهدم منزل أسيرين في بني نعيم شرق الخليل    يوم الأسير الفلسطيني    المجموعة العربية في الأمم المتحدة تدعو جميع أعضاء مجلس الأمن إلى التصويت لصالح طلب دولة فلسطين لعضوية الأمم المتحدة    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 33,797 والإصابات إلى 76,465 منذ بدء العدوان    "فتح" في ذكرى اعتقاله الـ23: محاولات الاحتلال استهداف القائد مروان البرغوثي لن توهن إرادته    استشهاد طفل وإصابة شابين أحدهما بجروح حرجة خلال مواجهات مع الاحتلال في نابلس    إصابات جراء اطلاق الاحتلال النار صوب النازحين عند شارع الرشيد غرب غزة  

إصابات جراء اطلاق الاحتلال النار صوب النازحين عند شارع الرشيد غرب غزة

الآن

سفينة نوح وجُحر الضب في الفكر الانساني ! بكر أبوبكر


الجدل محدود الأثر لا طائل منه في ظل أن فلسطين أولى بالنسبة لنا، ومحاربة رجس النفس بالطبع، وضرورة التوجه الى العلم والنور والهدى هدى القلب.
لكن هناك من مغلقي العقول من يجبرونك على طرق المواضيع الأخرى رغم حراجة الظرف، فهم يتجهون حالا للشتيمة والتكفير والتخوين، فلا هم استفادوا ولا هم أفادوا، بل نفّسوا عن جهلهم وعدم رغبتهم بالتعّلم أو التأني والدرس، أو فتح العقل لمفاهيم تخالف المستقر في قعر البحيرة الراكدة الآسنة، سواء كانت هذه المفاهيم سياسية أو دينية أم اجتماعية، انهم يحتكرون الحقيقة ويمتلكون القداسة ولا منظار صائب يرونه الا عبر عيونهم.، أن على قلوبهم أكنّة وفي عيونهم غشاوة كما قال الله تعالى في محكم التنزيل
ان أصحاب العقل الوقاد المنفتح يتقبلون برحابة (ألم نشرح لك صدرك) كل المخالفين لهم ذوي الألسنة العفيفة، أما اولئك من مغلقي العقول فيحملون سيف الارهاب والارعاب والتخويف الثقيل باسم الدين أو باسم المطلق، وكأن من يخالفهم بالضرورة كافر أو مرتد، كما تفعل «داعش» والتيارات الاسلاموية بفعلها أو تنظيرها أو تعبئتها الداخلية الخطيرة، التي تنخر في عظام حتى غير المنتسبين لها، ان هذا شيء فظيع.
بدلا من أن يتوجه هؤلاء الناس لاتباع ما قاله الله جل وعلا ورسوله صلى الله عليه وسلم بتحكيم نور العقل (سراجا منيرا) وفكر التأمل والتقبل للفكرة الأخرى (أفلا تتفكرون)، يقومون بكل (فظاظة وغلظة قلب) بتصنيف المتحدث والحكم عليه، أو اطلاق الصفات القبيحة عليه بأفكار مسبقة، وبلا تمحيص مقصود، ما هو تشنيع بلا دليل علمي 
انهم ينشغلون بالرد من نفس منبع المشكلة الفكرية الحضارية، أي باستخدام نفس أدوات القياس للآخرين، رغم أن العلم والبحث والدرس العلمي قد تطور كثيرا عن تلك المضامين التاريخية والتراثية التي ينهل منها الكثيرون دون تنقيحات منذ ألف عام، بل وبنفس المنهج البحثي القديم الذي تجاوزته العلوم الحديثة بآلاف الأميال.
ولنا النظر بحُب فياض لما قاله ابن قيم في أستاذه الشيخ الهروي بمجرد أن أشتد عوده في العشرينات من عمره، تصوروا ما قاله: أنه يحترم أستاذه بكلام رائع تمثل فيه علم الهدهد المحدود وعلم النبي سليمان الواسع، وفق الآية الكريمة التي تشير لذلك، ولكنه يخالفه بوضوح-كما خالف أستاذه الآخر أيضا ابن تيمية- فلم يشتم أو يكفر أو يخون أحدهما الآخر، وانما الأدب كان رسوله للمخالفة والاستدراك
ولنا النظر لافتاءات الأئمة الكبار الذين خالفوا بعضهم الى حد أنه لو اطلع عليها «أصحاب العصمة» المدعاة اليوم لكفروهم!، وهم بقوا مجتهدينا الأجلاء، أصابوا أو أخطأوا، ولكن لا أحد من الجهلة أو المجهِلين أو البسطاء يطّلع، ولا أحد منهم يريد أن يُتعب عقله، فمادام كرشه ممتلئا، فالعقل فارغ والروح وعاء يمتلئ باليقين أو الأحلام
ولننظر للشافعي أو علي بن أبي طالب لأي منهما نسب القول العظيم (ماجادلت عالما الا غلبته وما جادلت جاهلا الا غلبني)
ان أمة تغفل عقلها وروحها وتدخل مجددا في ظل هيمنة وسطوة وتحكم طرق وأساليب ومناهج التفكير الظلامية ما يؤدي بها الى الاندراج ضمن مربع الغاء العقل والانسياق وراء العواطف، من الصعب عليها نفض غبار السنين الكثيف، والتوجه ثانية للعلم (والعلم ثورة كما نعلم وأيما ثورة) والتوجه نحو الثقافة والنور والتقبل واحترام الآخر حتى المخالف بالرأي أو الفكرة أوالطائفة أو الدين أو الجنسية.
لننظر الى ما يحصل في العراق من اقتتال يأخذ من التاريخ الطائفي أسوأ ما فيه، ويلقيه في وجه العامة كأداة تحريض لاستمرار الاقتتال الوحشي فمذبحة معسكر (سبايكر) في العراق هذا العام 2014 قابلها مذبحة مسجد مصعب بن عمير، وهكذا هو الأمر بين متعصبي من يحسبون أنفسهم على الشيعة ومن يحسبون أنفسهم على السنة، في أكثر من بلد. 
هل نتصور أن مذابح من ينسبون أنفسهم للشيعة يهدون انتصاراتهم «للمهدي المنتظر» الغائب عندهم، وللامام الحسين بن علي، ضد «النواصب» ( ) وأن مذابح الداعشيين وأشياعهم يهدونها للرسول (ص) ضد «الروافض» ( ) مع أخذنا بعين الاعتبار للتعميم الخاطئ للفظتين التاريخيتين (النواصب والروافض) اللتين تخصان فترة محدودة، وليستا عامتين، ولكن الاستخدام الطائفي يستخدمهما بشكل مُسف.
هل ندرك أن استخدام التيارات المتطرفة اليوم للقتل المُسرف يستند بشكل وحشي لفتاوى «التترس» التي يأخذونها من سياقها الصحيح (لننظر كيف ينقض الشيخ سيد امام الشريف، والشيخ نبيل نعيم وغيرهما كل ذلك) ويسيئون استخدامها ضد كل مخالفيهم كما فعل الخوارج قديما، وكذلك الأمر في «التترس» العقلي اذ يجوز قتل المخالف في الرأي والفكرة وليس المحارب بالسلاح فقط.
لننظر بمحبة الى نور فقهائنا ومفكرينا الاجلاء القدماء، والحديثين أمثال الشيخ محمد عبده والشيخ محمد أبوزهرة والشيخ محمد مصطفى المراغي من قيادات الأزهر، والشيخ رشيد رضا والشيخ الأفغاني وابن عاشور ومالك بن نبي والعلامة محمد راتب النابلسي وغيرهم بالأمس واليوم الكثير ممن حكّموا مبدأ النظر، وعدم القبول بالقليل أو القديم المرقّع، أو الانسياق وراء خرافات وأحلام وأكاذيب، وادخالات أصحاب الهوى والفِرَق في بطون كتبنا من التفاسير وكتب التاريخ والسير وغيرها.
اذا كان ابن قيم لم يكد يشب حتى خالف معلمه ابن تيمية وهو محق، فهل نحن ننكر على أنفسنا أن نفكر ونتأمل ونجتهد، مادام اليقين حاكمنا.
لننظر لما يقوله المفكر الكبير ومؤلف الكتاب الثمين والعظيم (حياة محمد) محمد حسين هيكل في طريقة رده على المخرّصين ضد الاسلام والرسول انه يحاكمهم بالعقل ويدمر طروحاتهم دون أن يشتم واحدا منهم. 
انه رقي مُعجِز، قد لا نجد مثله اليوم في ظل طغيان بيئة الظلام ومستنقع الجهالة التي تُضعِف دور العلم والتفقه الحقيقي، وتضعف دور التفكر والتأمل والتعقل، وتُعلي من شأن النقل والاتباع الأعمى، والارتباط بالموروث غثه وسمينه، بشكل معيب.
لننظر أيضا لما يقوله كُتّاب الشيعة المتنورون أيضا من المفكرين الكبار أمثال محمد باقر الصدر الذي جهد حياته للدفاع عن الاسلام العظيم ضد الفكر الشيوعي الالحادي (كتبه الثلاثة: مجتمعنا فلسفتنا اقتصادنا) ومثله الكثير ليس أقلهم د.علي شريعتي رحمه الله وعلي الوردي والشيخ هاني فحص .
لا نريد أن نفكر، أليس كذلك؟ ولا نريد أن نقضي أوقاتنا في التدبر بآيات الله ؟! وانما استمرأنا أن نعيش في ما نعتقده «رغد منطقة الراحة» وهو جحيم النفس بالحقيقة، عبر الانسياق وراء أوهام وأحلام وأمال تهدّ من حصانتنا وتدمر مقاومتنا، وتضعف من ارادتنا، بل وتهز ايماننا، وتقلل من اندفاعنا نحو العلم والابتكار والاختراع لنصبح في مصاف الأمم المتقدمة علميا، وبالعلم والقيم نسود .
في القريب أي تحديدا يوم (9/9/2014) وقف العالم على رجل واحدة ليس ضد أبوبكر البغدادي -الذي سيحاربونه بنا، وكأن الأمر معركة ميدان فقط، وما هي بالحقيقة الا معركة عقول أساسا- وليس دفاعا عن جرح غزة وفلسطين النازف أبدا، بالأمس وقف ملايين الناس في العالم كله، نعم كله، على رجل واحدة ينتظرون الاعلان عن الهاتف الذكي الجديد بمسلميهم ومسيحييهم وبوذييهم!
نحن ومثلنا لدى الأقوام الأخرى المرتاحة للتخلف، تزيّن نفسها بالعقل الاستهلاكي العقيم، لا الانتاجي المستقيم أبدا، ولسان حالها لماذا أتعب نفسي؟ 
كما اننا ننهل من بطون كتب التاريخ-على ما فيه من استفادة عظيمة قطعا- لكننا نأخذ أسوأ ما فيه من خرافات وأكاذيب واسرائيليات وسفاهة ومجون، ونستخدمه سيفا ضد رقاب بعضنا البعض دون تمحيص وتدقيق وغربلة تجدّد عالم الجهالة فيسود في قلوبنا ونفوسنا القطران، حتى لو لم نرب لحية أو نحمل مسبحة وحتى لو لم نلبس الحجاب أو اللباس الشرعي.
ان أصل المشكلة هنا، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: في النفس والعقل، في القلب (مضغة) يجب أن تصلح، ليصلح الجسد كله بهيكله وبروحه ونفسه وعقله! فكيف ذلك؟
نحن مقبلون على معركة بناء أمتنا العربية والاسلامية، وأمامنا معركة فلسطين الكبرى، وأمامنا معارك عدة، أخرى أبرزها في صدري وصدرك، فان لم نستطع أن نرسم المساحات الواسعة ننقلب ونبقى متفرجين أغبياء على قارعة الطريق، وندخل مستكينين وفَرِحين بجهلنا الى «جحر الضب» ولا نخرج منه أبدا! 
نحن بحاجة ماسة للعلم والتنوير، نحن لحاجة للمحبة و»التقبل والتفهم والاعتراف والتجاور والمشاركة» في فهم منطق الاتصال الانساني الثري، وتقبل الاختلافات بيننا، وبحاجة لجعل الآخر المختلف ليس عدوا وانما صاحب رأي آخر سواء في دائرتنا أو ضمن دوائر أخرى.
كل المحبة وكل لاحترام لكل المخالفين كبشر، وقبل أن أسترسل لنتأمل قول الشيخ العلامة محمد راتب النابلسي (لا يكره الانسان الكافر بل يكره كفره فقط ويكره انحرافه، أما كانسان يحبَّه ولذلك الانسان اذا رجع الى الله أصبح أخاك وانتهى الأمر، وعلامة المؤمن لا يوجد عنده حقد أبداً وأعدى أعداء المسلمين لو أنه اصطلح مع الله يجب أن تحبَّه من أعماق أعماقك).
ومن هنا نكمل: أحب الآخر، الآخرين، سواء اتفقنا أو اختلفنا فهذه المساحة (مساحة الاتفاق أوالاختلاف، وهي مساحة سفينة نوح التي تضمنا في ظل انتشار طوفان الظلامية والفساد والجهل والتراجع والاستبداد والانكسار) يجب أن نحافظ عليها بالعضّ بالنواجذ، والا كسحتنا مساحة السواد والظُلمة التي تبقيني وتبقي الآخرين في الانسانية جمعاء، وفي ديننا، كل في جبل مختلف، لن يعصمنا من الماء.

 

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024