عن عودة "حماس" الى طهران- عدلي صادق
كيف يمكن أن تُقرأ، عودة حماس الى الحضن الإيراني، في ظل تفاقم الصراعات الدائرة في العراق وسورية واليمن وحيثما تدفع إيران بكل قوتها لبلوغ أهدافها؟
هناك، بالتوصيف المبسّط، ما يمكن أن تراه جماعة "الإخوان" فعل خيانة أو قفزا من المركب، اقترفته حماس بينما الموج يعلو. فالإيرانيون، يقفون في الخندق المضاد لجماعة "الإخوان" في صراعات المنطقة. وقد تعمد الرئيس السوري بشار الأسد، أن يزجر حماس بالتزامن مع جمعتها المشمشية في طهران، عندما سمح بنشر حديثه مع ممثلي الجاليات الفلسطينية في أوروبا، عندما ركز على هذه الحركة ورماها باتهامات التآمر والانتهازية والتلاعب. ومن عجب، أن حماس تعود للإيرانيين في لحظة عصيبة، بدأت فيها تتضح المعالم الأولية لإمبراطورية النفوذ التي يريدونها في العالم العربي. ويقيناً سينصحها شيوخ "الإخوان" وقادتهم في العالم العربي، أن تعود عن هذا الرهان الخاسر، لأنها لن تؤمّن لنفسها موقعاً متقدماً ضمن المشروع الإيراني بسبب طبيعته المذهبية. فالأسد، عندما تعمد قراءة لائحة مخالفاتها ضد نظامه، وهو يشن بمساعدة الإيرانيين حرباً لا هوادة فيها على أعدائه في الداخل وجُلهم من أتباع الإسلام السياسي السُني؛ كان في الواقع يلمّح الى كون الحمساويين يعودون الى طهران ضعفاء ونادمين. وكان الأجدر بـ "حماس"، والحال هذه، أن تندم على شيء آخر، وهو كل ما فعلته لتأجيج الخصومة في الداخل الفلسطيني، وأن تذهب الى مصالحة حقيقية في وطنها. فهذا أوجب من عبور الخليج الى البر الفارسي. ولو فعلت ذلك لن تعترض عليها سائر الحلقات الإخوانية!
لقد بدت حركة حماس الخارج، بانفراجتها الإيرانية، كمن تفتش لنفسها عن تعويض معنوي، عن حصار الداخل وأزماته. وحين يُقال إن إيران استأنفت علاقاتها العسكرية والمالية مع حماس، فلن يكون معنى ذلك أن طهران، معنية بتسليح ودعم فصيل سُني إخواني، ضد الحوثيين وداعش وميليشيات الشيعة ونظام الأسد. وأيضاً لن يكون معنى ذلك، أن التسليح هو لمقاتلة اسرائيل، وهو على أية حال، تسليح أُعلن نظرياً، ويصعب تنفيذه لأسباب لوجستية باتت معقدة ومعطوفة على أوضاع سيناء الأمنية. فإيران تطرح خطاب المقاومة، لكنها ليست الآن معنية بفعل المقاومة. إنها تخوض صراعاتها بدهاء عميق، وقد باتت في وارد تجميع الأوراق اللازمة لإدارة مفاوضاتها مع الولايات المتحدة. يفيدها أن تمتلك المزيد من الأوراق، وأن تختطف الثمرة السياسية للهدنة التي حلّت بوساطة مصرية، والإيحاء - بشفاعة وجود حماس في حضنها - أنها صاحب الفضل في السكون الذي حلّ في مركز المنطقة، من موقع الاقتدار والتمويل.
بعد رحلة الوفد الحمساوي الى طهران، جاء الاستعراض بالصواريخ الطويلة المحملة على عربات شحن ثقيلة، وبطائرة خفيفة بلا طيار، ذات تقنية إيرانية. ولم يستفز ذلك العدو، لأنه يعرف السياقات، وهنا ارتسمت معادلة جديدة: إيران ذات نفوذ في غزة، وهذا يدخل على خط التفاوض حول المسائل الإقليمية، بين واشنطن وطهران، فلا ضرر ولا ضرار!
الإيرانيون يعملون لمصالحهم مثلما يرونها، وهذا حقهم. واليوم، لم تعد تقييمات الأطراف للأطراف، تعني شيئاً لأي منها، إذ يُقام في المنطقة الآن، كرنفال من التكاذب والتخائن. أميركا تخون "أصدقاءها" العرب التقليديين وتكذب عليهم. وإخوان فلسطين "يحلقون" لشقيقتهم السورية ولسائر الحلقات المتعاطفة معها، ويقولون إنهم استأنفوا العلاقة مع طهران على قاعدة استبعاد الملف السوري. كأن الملفات الشائكة "سندويتشات" فلافل، تُستبعد أو تُستحضر، ولا تتداخل، ولا علاقة لها باستراتيجيات الدول الإقليمية الرئيسة. أو كأن المسائل وسياسات الدول، تنام وتقوم على أسس أخلاقية ومبدئية. أرجو ألا تكون توقعاتنا صحيحة، بأن ما يجري في غزة، من تصعيد داخلي، واتاحوا "لفتحاويين" المشاركة فيه؛ جزءٌ من مخطط يستهدف شطب الفلسطينيين نهائياً على صعيد السياسة، واحتواءهم ضمن التسويات الإقليمية، إن كانوا يحملون السلاح، بحيث يحكمون ويستعرضون ويلعبون مستريحين في ساحات الآخرين!
adlishaban@hotmail.com