الأحمد يهنئ فهد سليمان بانتخابه أميناً عاماً لـ"الجبهة الديمقراطية" ونجاح المؤتمر الثامن    فتوح: قمع الحراك الطلابي في الجامعات الأميركية يكشف زيف وكذب إدارة بايدن    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 34305 والاصابات إلى 77293 منذ بدء العدوان    الاحتلال يعتقل 15 مواطنا من الضفة    الاحتلال يغلق الحرم الإبراهيمي بحجة الأعياد اليهودية    234 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى    مع دخول العدوان يومه الـ201: الاحتلال يكثف غاراته على قطاع غزة مخلّفا شهداء وجرحى    برنامج الأغذية العالمي: نصف سكان قطاع غزة يعانون من الجوع    شهداء وجرحى في غارات إسرائيلية على قطاع غزة    قوات الاحتلال تقتحم قرى في محافظة جنين    الخارجية الأميركية: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    الصحة: ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة والضفة إلى34637 منذ السابع من تشرين الأول    في اليوم الـ200 للعدوان: شهداء وجرحى في قصف على مناطق متفرقة من قطاع غزة    المعتقل عزات غوادرة من جنين يدخل عامه الـ22 في سجون الإحتلال    200 يوم من العدوان: الاحتلال يستهدف شواطئ غزة وسلسلة غارات شمال القطاع  

200 يوم من العدوان: الاحتلال يستهدف شواطئ غزة وسلسلة غارات شمال القطاع

الآن

يانون .. الأرض وما يسرقون

إيهاب الريماوي ورامي سمارة

من شطر يانون الجنوبي، يصعد طريق ملتوٍ ضيق إلى القسم الشمالي، منازله المأهولة تصطف بجوار بعضها، يتقدمها بيت راشد مُرار بمساحة 60 مترا مربعا يضيق ذرعا بـ11 فردا، على يمينه حمار أصهب مقيد إلى صخرة كبيرة، وبجانبه جرار زراعي مهمل أكل الصدأ من جنباته خلال سنوات عجاف.

أمام المنزل يغطي راشد بقطعة سجاد الزجاج الخلفي لسيارته المرسيدس الكحلية ذات المقاعد الثمانية، التي يزيد عمرها عن 30 عاما، أزاحها فقطرت ماء من مطر  تشربته، "أنا لا أحرك تلك القطعة إلا لمشاوير بعيدة قليلة اضطر لها. لا أغادر القرية إلا نادرا، يمكن أن يهاجمونا في أي لحظة، أعتقد أن وجودي هنا أحمي به أسرتي وأهل بلدتي.

ازداد المكان ضيقا رغم أن لا سنتيمترا واحدا نقص منه، هي ذاتها المساحة التي بقيت، خمسة آلاف دونم من أصل سبعة عشر ألفاً، الأخريات التهمتهن مستوطنات الاحتلال ومعسكراته وميادين تدريبه.

على سفح جبل جنوب شرق نابلس، تضّجع يانون منسية ليلها كنهارها، لم يغب عنها إلا هالك أو نازح. في عام 2001 وصل تعداد سكانها إلى 200 نسمة، اليوم وفي شقيّ القرية يقطن اليوم 79 مواطناً فقط، الشمالي منها يعيش فيه 37.

"اللي ما إله ظهر بموت قهر"، قال بعد أن اشتعلت به نار غيرته على تراب قريته، وهو يعدد شخصيات ومؤسسات سمعت بـ"يانون" خلال السنوات العشر الأخيرة، فارتحلت إليها وألقت فيها وعودا زال أثرها قبل أن تُمحى عن الأرض أثار عجلات مركبات مواكبهم.

"مجلس الخدمات المشترك، وسلطة المياه، ووزارة الحكم المحلي، ورئاسة الوزراء، والمحافظة، ومؤسسات أجنبية، جميعهم أرسلوا مندوبين عنها أو حضر مسؤولوها بشخوصهم، وإلى الآن لم يشق طريق زراعي واحد"، قال راشد بعد أن قبض أصابع كفه الأيمن مستثنيا السبابة التي أشارت إلى الأعلى.

رفض مُرار مرارا غراسا كانت تقدمها جهات للقرية، فما عساهم يفعلون بها في أرض لا تصلها جرارات للحرث أو السقاية، هذا إن سمح الاحتلال الإسرائيلي أصلا بالوصول إليها لزراعتها.

تزعجه كثيرا أحاديث "تعزيز الصمود"، يقارن يانون دوما بمناطق استفادت من مشاريع تنموية خصصت لهذا الهدف، في بلدات وخرب وبوادٍ يجمعها بقريته رابط الـ"ج".

"لم تنفذ هنا أية مشاريع، وحتى أكون منصفا حصلنا على تنك ماء ومنحونا بيوتا بلاستيكية زرعناها لعام واحد فقط ولم نتمكن من ذلك في العام التالي. أصبح مشروع الزراعة خاسرا، إذ يتوجب علينا شراء سعر كوب الماء للري بتسعة شواقل".

قلنا سنكتفي بالعيش على تربية المواشي، ولكن حتى تبرعاتهم بالأعلاف استثنتنا. المساحات الزراعية محدودة جدا، والرعي في الحقول والجبال محال بسبب قرار إسرائيلي يحظر الابتعاد بالماشية مسافة عشرة أمتار عن محيط المنازل، والأبراج العسكرية التي تلفّ القرية تراقب كل ما يدب هنا على مدار الساعة. ذات مرة خرجت لتفقد أغنامي فوجدت نفسي في بقعة ضوء ساطعة قادمة من ذلك البرج". وأشار بيسراه نحو نافذة تطل على جبل باتجاه الشرق.

تربية المواشي باتت تجارة خاسرة مثل الزراعة، بعض الناس اضطروا لبيع أغنام كي يتمكنوا من إطعام البقية. راشد كان واحدا منهم، يملك الآن 40 رأسا بعد أن كانت ثروته الحيوانية تعادل 99.

"أصلا كنا لا نجد مكانا نؤوي مواشينا فيه، يمنعوننا من إضافة أي حظيرة أو توسيع القائم منها، البناء بأي أشكاله محظور، البيوت الستة المأهولة يمكن ترميمها وتصليحها من الداخل، وحتى هذا لم تشمله مشاريع تعزيز صمودنا في وجه اعتداءات المستوطنين شبه اليومية، هذا عدا عن المصادرات والبناء الاستيطاني الذي أصبح واقعا اعتدنا عليه".

فوجئ يوما بمقدمة بارودة تخترق إحدى نوافذ منزله، والصيف الماضي حاول مستوطنون دهس ابنه وابن عمه، أُلقيت كثيرا حجارة صوب منازل القرية، وردم نبع الماء فيها ووضعت فيه مواد سامة، وحرثت الأرض بعد زراعتها، والزيتون يمنع قطافه، والمنطقة الشرقية أضحت مكان تدريب ورماية، من أخطأته الأعيرة أقضت مضجعه أصوات الانفجارات، "أليس هذا كفيلا بأن تلجأ 23 عائلة جنوبا نحو بلدة عقربا؟".

"الهجرة" غير الموسمية تراجعت وتيرتها في الأعوام الستة الأخيرة، يعمل الأهالي بالمتاح والممكن للبقاء، يعمقون بما استطاعوا جذورهم في أرضهم، فلو "سقطت" يانون لهاج غول الاستيطان جنوبا ليلتهم أولا جارتها عقربا.

يؤمن راشد أن وجود مدرسة أساسية في القرية عامل صمود، التنشئة عنصر أساسي في خلق حب الأرض لدى صغار السن، "أن يكبر الأطفال في ربوع قريتهم قد يشدهم للعودة إليها إذا ما أجبرتهم الظروف على مغادرتها".

 


ثماني درجات حتى تصل باب المدرسة الواقعة في منتصف الجزء الشمالي من يانون، يقودك الباب إلى بهوٍ مسقوف بالصفيح لا تزيد مساحته عن 25 مترا مربعا، على اليسار دورة مياه وحيدة متاحة للطلبة، وإلى الأمام زقاق يتفرع صفوفا متقابلة، ينتهي بغرفة المعلمين والإدارة.

قبل غرفة الصف الأولى يتدلى من الحائط الأيمن علم فلسطين، أسفله سماعة ومكبر صوت يعملان صباحا لبث النشيد الوطني ومواد الإذاعة المدرسية، ثم بابان يفصلهما جدار ألصقت عليه مجلة حائط قديمة مختصة بالعلوم، أوراقها الخضراء والبيضاء المغلفة بالبلاستيك بدأت بالتآكل، وأعلاها من جهة اليمين قطعة من الورق المقوى كتب عليها "العلم نور والجهل ظلام والأم مدرسة"، وعلى الحائط المقابل ازدحمت رسومات تتغنى بحب القدس والأقصى، ونماذج ورقية لأبطال أفلام كرتون.

مدير المدرسة أيمن أبو شهاب، الذي يتخذ مكتبا له في الجهة الأمامية من غرفة المعلمين، يفتخر  بوصول نسبة النجاح في المدرسة إلى 100%، "لا أحد يرسب، والطلبة هنا يتقاسمون وقت الحصص بشكل أفضل من أقرانهم في مدراس أخرى. الوضع هنا مستقر رغم كل المنغصات، وأنا لم أكن لأجلب ابنتي يوميا من قريتي عقربا لمدرسة يانون؛ لولا إيماني بالإمكانيات المتوفرة".

خمسة معلمين يحضرون يوميا إلى يانون في مركبتين، من قرى دوما وبيتا وعقربا. يتناوبون على صفوف المدرسة الثلاثة، الأول، والثالث، والخامس والسادس.

في يانون لا طلبة يشغلون الصفين الثاني والرابع في المدرسة الأساسية، وفيها أكثر من 22% من طلبة المدرسة ليسوا من أبناء القرية.

في يانون مدرسة لتسعة طلبة، في الصف الأول طالبان ليسا من أبناء القرية، في الصف الثالث طالبة وطالبان، وفي الصف الخامس طالبان يتقاسمان ذات الغرفة مع طالبتي الصف السادس.

في يانون لا يعكّر صمت الحياة في انتظار المجهول سوى حافلة تأتي صباحا لتقل تلاميذ المرحلتين الإعدادية والثانوية وتعيدهم إليها.

منذ عقدين لم تفرح يانون، لم تشهد القرية التي "تفوق تركيا قدما" أي عرس، بعد حفل زفاف راشد مرار .

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024