فتوح: قمع الحراك الطلابي في الجامعات الأميركية يكشف زيف وكذب إدارة بايدن    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 34305 والاصابات إلى 77293 منذ بدء العدوان    الاحتلال يعتقل 15 مواطنا من الضفة    الاحتلال يغلق الحرم الإبراهيمي بحجة الأعياد اليهودية    234 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى    مع دخول العدوان يومه الـ201: الاحتلال يكثف غاراته على قطاع غزة مخلّفا شهداء وجرحى    برنامج الأغذية العالمي: نصف سكان قطاع غزة يعانون من الجوع    شهداء وجرحى في غارات إسرائيلية على قطاع غزة    قوات الاحتلال تقتحم قرى في محافظة جنين    الخارجية الأميركية: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    الصحة: ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة والضفة إلى34637 منذ السابع من تشرين الأول    في اليوم الـ200 للعدوان: شهداء وجرحى في قصف على مناطق متفرقة من قطاع غزة    المعتقل عزات غوادرة من جنين يدخل عامه الـ22 في سجون الإحتلال    200 يوم من العدوان: الاحتلال يستهدف شواطئ غزة وسلسلة غارات شمال القطاع    استشهاد شاب وإصابة آخرين برصاص قوات الاحتلال في أريحا  

استشهاد شاب وإصابة آخرين برصاص قوات الاحتلال في أريحا

الآن

طابور الظلام

طابور عمال أمام حاجز "نعلين" العسكري غرب رام الله

 رامي سمارة وإيهاب الريماوي

لم يكن الليل قد لفظ من جوفه بعد شمس نهار الأول من أيار، تلك البوابة ذات الأذرع الحديدة "المعّاطة" كما اصطلح على تسميتها باللهجة المحلية؛ ما انفكت عن الدوران، تستجيب لوكزات آلاف الكفوف، تدفعها ليعبر أصحابها بعد أن يأذن بذلك جندي إسرائيلي يتمترس في غرفة مصفحة.

على امتداد 500 متر، رجال يتبعون بعضهم في الطابور الذي يصطدم بجدار يحيط بحاجز "نعلين" العسكري غرب رام الله، فينعطف بالسائرين فيه نحو اليمين حتى يصلوا إلى البوابة.

الضوء الأخضر الذي يعتلي البوابة تتسابق نحوه خطى، غادر السائرون بها فراشهم قبل أن يحين موعد الاستيقاظ، انقلاب الضوء إلى الأحمر قد يعني أنهم سيعودون إلى منازلهم خالي الوفاض قبل أن ينتزع الوقت الدفء من فراشهم.

فرادى وجماعات يتقاطرون إلى الحاجز بعد أن يجتازوا طريقا يسده الاحتلال ببوابة حديدة، يمرون عن باعة طعام الصباح، ثم يتفرقون يمنة ويسرة متجنبين الاصطدام بـ"كشك" لم يعتادوا وجوده في المكان، أمامه شخصان يوزعان منشورًا بالحقوق الأساسية للعاملين داخل أراضي الـ48، يتناولها القادمون وسرعان ما يلتصقون بالطابور الذي اعتادوا على الوقوف فيه والسير به نحو لقمة العيش، والمنشورات تلقى تباعا على الأرض وفي أحسن الظروف تطوى وتوضع في الجيب الخلفي.

"ما جدوى هذه المنشورات؟" قال شخص ساخرا بعد أن طرح المنشور أرضا، تحت أعين مراقبين من وزارة العمل حضروا ليتابعوا عن كثب واقع العمال أثناء توجههم إلى العمل في الداخل.

العمل داخل أراضي الـ48 ملاذ للبعض و"رفاهية" لآخرين، وفي كلتا الحالتين الحقوق لا تعتبر ذات أهمية والدليل أكثر من 6 آلاف عامل توجهوا للعمل عبر حاجز نعلين في يوم العمال.

يقول أبو إبراهيم من قرية بدرس غرب رام الله: "إذا ما وضعنا الراتب جانبا وبعيدا عن الحسابات؛ فإن العمل لدى الإسرائيليين يتطلب التنازل عن الحق في معظم العطل الرسمية، وإن تجاوزت ذلك سيحسبها المشغل نقطة ضدك بما يؤثر سلبا على إمكانية حصولك على تصريح جديد".

من موقعه المتأخر في الطابور، يرفع منذر من قرية أبو فلاح شرق رام الله صوته ليسمع من في محيطه لومه لهم، وموقفه الداعي إلى تشكيل تكتل عمالي يمارس ضغوطا على جهات التشغيل لإحقاق ما للعمال من حقوق.

"لو كنا قوة عمالية كما ندعي لتوقفنا عن التوجه للعمل، خاصة في مثل هذا اليوم، ولعملنا على وضع المشغلين تحت الأمر الواقع. مجموعة جنود يتحكمون بنا، نسير ونقف حسب أهوائهم. يعاملوننا بازدراء ونحن نعمل لديهم. كفانا ذلا". يضيف منذر.

في أي يوم آخر تتطلب إجراءات الوقوف في طابور العمال وصولا إلى الجهة الأخرى من حاجز نعلين نصف ساعة، ولكن في يوم العمال قد تتضاعف المدة أو تزيد.

زياد من بلدة بيتونيا في رام الله، رصد خلال السنوات العشر التي عمل بها في الداخل إهانة إضافية تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق العمال الفلسطينيين خلال أيام العطل والأعياد، "يعلمون تماما أي ذكرى يصادف هذا اليوم، لذلك تراهم يتقصدون تأخيرنا وتعكير صفونا، وكأن وجودنا هنا منذ الرابعة فجرا هوان ناقص".

مدير دائرة تشغيل رام الله في وزارة العمل رباح سمارة، الذي تواجد على الحاجز للملاحظة، شاهد كيف يتعرض العمال لإهانة يومية تبدأ بعد الساعة الرابعة فجرا، العمال يأتون من مناطق مختلفة، من قرى رام الله وسلفيت، إنهم يعتبرون هذا "المعبر" هو الأسهل من بين 6 معابر رئيسية تفتح يوميا من الرابعة وحتى السابعة صباحا أمام العمال الفلسطينيين.

"نعم، نعلين أسهل من حواجز أخرى. أقصد هذا الحاجز منذ خمس سنوات من بلدتي عقربا جنوب نابلس"، يقول أبو نور الدين.

لم يكن أبو نور الدين ليضطر للعمل وهو في سن الخامسة والخمسين لو أن البلاد لم تمحل، فأصبحت رعاية البقر التي امتهنها في السابق تجارة كاسدة، وأرض بلدته التي تضرب عمقا في الأغوار أصبحت قاحلة لا تغني 50 رأس بقر كان يمتلكها من جوع.

لم يدر في خلد أبو نور الدين أن يعمل لدى "الخواجات"، رغم أن العامل لديهم يتقاضى أجرا أعلى من ما يتقاضاه في الضفة.

"بلادي وإن جارت عليّ عزيزة"، جواب يحفظه عن ظهر قلب أمجد خريج الصحافة من الكلية العصرية، حين يُسأل عن احتمالات ترك العمل داخل أراضي الـ48 مقابل الحصول على وظيفة في مجال تخصصه في إحدى محافظات الضفة الغربية.

"منذ أربع سنوات وأنا أجني 4500 شيقل شهريا، لا أريدها مقابل وظيفة ولو بنصف الأجر في بلدتي نعلين أو في رام الله أو أي بقعة المهم أن أعمل بشهادتي"، يقول أمجد.

نشأت ابن بلدته وبعد حسبة بسيطة راح يشتم تلك الأيام التي حنا فيها رأسه يراجع دروسه إلى أن تخرج من جامعة القدس المفتوحة، "لو اشتغلت في إسرائيل حين كنت في الثامنة عشرة لأصبحت من أصحاب الملايين".

"ماذا ستفعل لك الملايين"، قاطعه إياد من قرية دير عمار، "العامل إذا تعطل يوما قد يجوع أما الموظف فلا، راتبه لن ينقطع".

يعمل إياد منذ 16 عاما وراء الجدار الفاصل، لكنه وبعد أن شاهد الطابور الذي يطول ولا يقصر، قال: "قد أجوع ولكنني أقدس هذا اليوم. أنا عائد إلى بيتي".

وبحسب الجهاز المركز للإحصاء، بلغ عدد العمال الفلسطينيين في إسرائيل 83 ألف عامل، و22 ألفا يعملون في المستوطنات.

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024