فتوح: قمع الحراك الطلابي في الجامعات الأميركية يكشف زيف وكذب إدارة بايدن    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 34305 والاصابات إلى 77293 منذ بدء العدوان    الاحتلال يعتقل 15 مواطنا من الضفة    الاحتلال يغلق الحرم الإبراهيمي بحجة الأعياد اليهودية    234 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى    مع دخول العدوان يومه الـ201: الاحتلال يكثف غاراته على قطاع غزة مخلّفا شهداء وجرحى    برنامج الأغذية العالمي: نصف سكان قطاع غزة يعانون من الجوع    شهداء وجرحى في غارات إسرائيلية على قطاع غزة    قوات الاحتلال تقتحم قرى في محافظة جنين    الخارجية الأميركية: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    الصحة: ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة والضفة إلى34637 منذ السابع من تشرين الأول    في اليوم الـ200 للعدوان: شهداء وجرحى في قصف على مناطق متفرقة من قطاع غزة    المعتقل عزات غوادرة من جنين يدخل عامه الـ22 في سجون الإحتلال    200 يوم من العدوان: الاحتلال يستهدف شواطئ غزة وسلسلة غارات شمال القطاع    استشهاد شاب وإصابة آخرين برصاص قوات الاحتلال في أريحا  

استشهاد شاب وإصابة آخرين برصاص قوات الاحتلال في أريحا

الآن

نصف قرن من البحث عن الظلال

عين الحلوة (الأغوار الشمالية)- وفا- جميل ضبابات- عندما قرر فتحي زامل قبل سنوات زراعة أحد أصناف الأشجار الاستوائية أمام كوخ صغير يسكن فيه في أكثر مناطق العالم انخفاضا عن سطح البحر، لم يكن في الحقيقة يريد إضافة لون اخضر إلى خارطة المنطقة الرمادية… كان يبحث عن استثمار أغصانها خلال السنوات اللاحقة في الحصول على ظل.

لكن وقت قصير بعد أن ضربت تلك الشتلة جذورها في ارض تشتعل صيفا بالحرارة، وصلت قوة إسرائيلية إلى منطقة عين الحلوة التي يسكن فيها شمال منطقة الغور وطلبت من الرجل الذي قضى نصف عمره في المشي في التلال والجبال وراء الأبقار التي يرعاها، اقتلاعها.

اليوم، بعد أن هدأت ريح حارة في منتصف الظهيرة يلقي زامل بعد أن أنهى نصف نهاره في رعي قطيع كبير من المواشي نظرة ساخرة على ذلك الماضي.

" ليس لدينا وقت للحياة تحت الظلال"، يقول وقد تذكر تلك القصة.

مثله، آخرون في كثير من مناطق الشريط الغائر شرقي الضفة الغربية، يلقون أيضا على الحياة وسط ارتفاع درجات الحرارة نظرة ساخرة عندما يبحثون عن ظل في عز الظهيرة ولا يجدونه إلا بعد مشقة.

فالقوات المحتلة التي تسيطر بشكل كلي على المنطقة لا تمنع فقط إقامة المنازل المناسبة للحياة، إنها أيضا تحظر على الفلسطينيين زراعة أشجار والاستفادة من ظلها.

قبل 49 عاما بالتحديد، أصبح الحصول على ظل في المنطقة مسألة غاية في الغرابة. فالظل الطبيعي المتاح أحيانا هو ظل شق صخري، اما ظل الأشجار مرهون بانسحاب القوات المحتلة.

حسب اتفاقات أوسلو التي وقعت في العام 1993 والتي كان من المفترض أن تفضي بعد سنوات معدودة الى تحول في سيطرة النظام الفلسطيني القائم حديثا على مناطق أخرى من بينها هذه المنطقة، الا أن اي تحول لم يحصل وزادت القوات المحتلة من فرض سيطرتها على المنطقة.

لكن بالنسبة لزامل فهو يجد في بعض تفاصيل التاريخ الذي سبق احتلال إسرائيل للأرض الفلسطينية فرصه لحياة جزئية خلال النهار تحت الظلال القليلة المتاحة.

في الصيف عندما تشتد درجات الحرارة يلجأ رعاة المنطقة إلى ظل الأشجار القليلة لدرء مخاطر الحرارة العالية، اما زامل وعدد قليل من أقاربه فيلجأون الى أربع شجرات كينا ضخمة هي الملاذ الوحيدة لهم في المنطقة.

في الصباح وزعت دائرة الأرصاد الجوية الفلسطينية نشرتها اليومية الكلاسيكية، وقالت إن الحرارة ستنخفض قليلا، إلا أن ذلك ليس اعتبارا مهما لزامل الذي يستريح يوميا هو وقطيع كبير من الأبقار هنا منذ سنوات طويلة. "ما يعنينا هو وجود أشجار نجلس تحتها". قال الرجل.

في العام 1967 عندما انسحبت قوات الحرس الوطني الأردني من الضفة الغربية بعد اجتياح القوات الإسرائيلية لأراضي عدة دول عربية، تركت وراءها أربع شجرات كينا زرعها أفراد قوة من قوى الحرس التي كانت تعمل هنا قربا من نهر الأردن. ومع مرور الوقت تضخمت الأشجار وأصبحت ملاذا يوميا للعديد من الفلسطينيين الباحثين عن الظل في نهارات الصيف الحارة جدا.

ومثل ذلك العديد من الأشجار الضخمة التي زرعت على امتداد الشريط الشرقي الغائر في الضفة الغربية.

على مدى نصف قرن حرم الفلسطينيون من زراعة الأشجار الحرجية في هذه المنطقة، واقتلعت العديد منها من قبل القوات الإسرائيلية.

بالنسبة لزامل فهذه الشجرات هي جنته اليومية في ساعات الظهيرة. لكن كل ما زرع خلال السنوات الماضية كان عرضة للاقتلاع من قبل سلطات الاحتلال.

وعندما قامت بلديات مثل بلدية طوباس المجاورة بزراعة أشجار حرجية في جبل قريب البلدة ليكون متنفسا للسكان، جاءت قوات الاحتلال وقصت الشجر الذي عاش لسنتين وقصته من جذوره.

المنطقة التي يسكن فيها زامل شهدت تغييرات كثيرة؛ نضبت مياه الكثير من الينابيع التي كانت تغذي المنطقة بالماء، اما الشجرات فقد تضخمت وأصبحت معلما واضحا في منطقة حملت اسم نبعها.

وتعتبر عين الحلوة واحدة من المناطق الرعوية الرئيسية في الضفة الغربية.

يقول عارف دراغمة وهو مسؤول محلي يتابع شؤون المضارب الرعوية في المنطقة الواسعة نسبيا ويسكن فيها فلسطينيون يعيشون دون بنية تحتية" إنهم يمعنون كل شيء" في إشارة إلى القوانين العسكرية الإسرائيلية التي تمنع السكان من تشييد ابنيه أو زراعة أشجار.

يسرد قصة حدثت في العام 2013 عندما أمر ضابط إسرائيلي باقتلاع شجرة في منطقة مجاورة واقتلاع أشجار النخيل في قرية غورية تسمى قرية الزبيدات"، حيث "يعتبرون الشجر علامة من علامات البقاء"، يردد المعنى ذاته سكان آخرون من المنطقة.

ولا يعاني المواطنون الفلسطينيون هنا من ندرة الظل في مراع واسعة جدا، وهي ظاهره لا يمكن أن تكرر في أي مكان في العالم، انما ايضا يعانون من نقص المياه.

بقايا مياه ضحلة ملوثة بروث الأبقار، وقطعان جرارة من المواشي وبعض طيور ابو سعد تعكس قسوة المشهد، إلا أن خرير الماء يعود يقوى نسبيا عندما تتجمع المياه وتندفع فوق جسر صغير فينحدر الجدول صوب سرب من أشجار الطرفا.

توفر أيضا هذه الأشجار ظلا يوميا للسكان والحيوانات في المنطقة.

في التلال المحيطة بالمنطقة التي يسكن فيها زامل، تظهر بعض أشجار السدر الصحراوية ذات الأغصان الصلبة الشائعة هنا، وشجيرات أخرى نافرة بين الصخور تلجأ اليها الحيوانات في أيام الحر.

قال زامل وهو يشدد على الإصغاء لأجراس معلقة برقاب المواشي" سكن الهواء، والآن سترتفع درجات الحرارة(...) سنجلس هنا. هنا تحت الشجرات حتى الساعة الثالثة مساء".

وبالطريقة ذاتها التي يبحث فيها زامل عن الظل في النهار، يبحث آخرون ايضا. في منطقة قريبه شوهد عدة أطفال يرمون بأجسادهم فوق أراجيح معلقة بشجرة سرو كبيرة نبتت قرب نبع ماء غار في الأرض

تشير أرقام إلى أن معدل الإشعاع الشمسي في فلسطين يصل إلى 3400 ساعة في السنة، ويختلف هذا المعدل من منطقة إلى أخرى في فلسطين.

في الغور يصل إلى نحو 8 ساعات يوميا. ويبلغ متوسط أيام فلسطين المشمسة نحو 300 يوم… لكن التفكير في العيش في ظل حياة أكثر سهولة بعيدا عن أشعة شمس تلك الأيام بالنسبة لزامل "أمر صعب جد بدون تشجير المنطقة".

kh

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024