فتوح: قمع الحراك الطلابي في الجامعات الأميركية يكشف زيف وكذب إدارة بايدن    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 34305 والاصابات إلى 77293 منذ بدء العدوان    الاحتلال يعتقل 15 مواطنا من الضفة    الاحتلال يغلق الحرم الإبراهيمي بحجة الأعياد اليهودية    234 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى    مع دخول العدوان يومه الـ201: الاحتلال يكثف غاراته على قطاع غزة مخلّفا شهداء وجرحى    برنامج الأغذية العالمي: نصف سكان قطاع غزة يعانون من الجوع    شهداء وجرحى في غارات إسرائيلية على قطاع غزة    قوات الاحتلال تقتحم قرى في محافظة جنين    الخارجية الأميركية: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    الصحة: ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة والضفة إلى34637 منذ السابع من تشرين الأول    في اليوم الـ200 للعدوان: شهداء وجرحى في قصف على مناطق متفرقة من قطاع غزة    المعتقل عزات غوادرة من جنين يدخل عامه الـ22 في سجون الإحتلال    200 يوم من العدوان: الاحتلال يستهدف شواطئ غزة وسلسلة غارات شمال القطاع    استشهاد شاب وإصابة آخرين برصاص قوات الاحتلال في أريحا  

استشهاد شاب وإصابة آخرين برصاص قوات الاحتلال في أريحا

الآن

خطوات تونسية في فلسطين

 شادي مقبول

في كتابها "ولي خطوات في فلسطين" توثق الكاتبة والإعلامية التونسية نجاة البكري، جزءا من تجربتها في فلسطين حيث عاشت مع زوجها العائد إلى بلده بعد إنشاء السلطة الوطنية، كإحدى نتائج اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير وإسرائيل.

في الكتاب الذي صدر عن دار مومنت للنشر بلندن في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، بدأت الكاتبة تفاصيل قصتها منذ مغادرة تونس في تشرين الثاني/ نوفمبر 1994 باتجاه العاصمة الأردنية عمّان، كممرٍ إلى الضفة الغربية. وجسّدت مشاعر حاولت حينذاك كبتها، تجنباً للتأثير على محيطها من أهل وأحبة، فصعوبة الفراق وترك الوطن لا يدركه إلا من عاش التجربة.

توثّق البكري إجراءات الاحتلال منذ اللحظة الأولى لدخولها وأسرتها إلى فلسطين، حيث شهدت إلى جانب الإجراءات الأمنية، استفزازاً مزاجياً لم تكن قد اعتادت عليه بعد، مارسه جندي إسرائيلي لفترة من الوقت قبل أن يتم السماح لهم بالعبور إلى أريحا، ومن هناك إلى نابلس حيث مسقط رأس زوجها في قرية تل الملاصقة للمدينة.

وتصف الإجراءات التي عايشتها لأول مرة في ذلك اليوم، "لم أكن أتصوّر أن الدّخول إلى فلسطين يُشبه إلى هذا الحدّ الدخول إلى زنزانة تعدّدت بواباتها وأقفالها وحرّاسها". لتبدأ باكتشاف تأثير الاحتلال على تفاصيل الحياة اليومية في فلسطين، والتي أوْجَدَت ثقافة اجتماعيّة اتسمتْ بالانغلاق والمحافظة، وتصفه الكاتبة بأنه "واقع ينسجم مع كلّ ما يمكن أن يشكّله أيّ مجتمع في تفاعل مع بيئته، إلّا أنّ منظومة الاحتلال المتعاقبة على الأرض الفلسطينيّة بكلّ ما تضمّنته من وسائل محاصرة جعلت منها خندق حرب دائم وهو ما منع عنها رياح التّغيير، وساهم ضيق المعمورة في تجسيد ذلك الواقع، وجعل من سكّانها يحرصون أشدّ الحرص على التمسّك بكلّ ما يحفظ وجودهم ويمنع تشويه ملامح هويّتهم".

بأسلوب روائي تنقل القارئ إلى معايشة أحداثٍ كانت شاهدةً عليها منذ الأيام الأولى في نابلس التي لم تكن السلطة الوطنية تسلمتها بعد، فتحولت جولة التسوّق ومحاولة اكتشاف المكان وسط المدينة إلى ساحة حرب بلمح البصرِ، فخالت الكاتبة نفسها أمام شاشة التّلفاز الّتي اعتادت نقل تلك الأحداث من مكان بعيد؛ حتى جعلتها رائحة الغاز واحتكاك أجساد المتراكضين بجسدها، تدرك أنّها في مكان الحدث، حيث مركبات عسكريّة حقيقيّة لا يستثني سِلاحُها من تواجدَ في المكان، وما أن ابتعدَت عن السّاحة بِضْعة أمتار حتّى تعَالت الأصواتُ معلنةً استشهاد أحد الشبان.

بذات النّسَق تنقل القارئ إلى مسرح الحرب التي تتخلل واقع الحياة في هذا البلد حين تجد نفسك فجأةً وسط المشهد دون تخطيط أو رغبة، فتروي نجاة تجارب شخصية عايشتها في مراحل مختلفة من وجودها في فلسطين، كما حدث في هبّة النفق وانتفاضة الأقصى وخلال الاجتياح الإسرائيلي للمدن الفلسطينية، وكيف تم احتجازها عدة مرات، وكانت جزءاً من المشهد، كما يحدث عادةً مع أي مواطن في "أرض الرباط" كما يحلو للكاتبة تسميتها.

جسدت الكاتبة مشاعر إنسانية استطاعت أن تعبر عنها بطريقة مؤثرة، بين الحنين إلى تونس ومن تركتهم هناك، والتعامل بحكمة مع تساؤلات المتطفلين ومحاولاتهم اقتحام تفاصيل حياتها الشخصية، وخوفها على ابنتيها خاصةً في بدايات عهد السلطة الوطنية، حيث ما زال القانون غائباً ومظاهر الفوضى منتشرة، وصولاً لتعاطفها مع النساء التي كانت تستمع لمشاكلهن الاجتماعية خلال عملها كمترجمة ضمن مشروع للدعم النفسيّ.

بين الأسلوب الروائي والمشاعر الإنسانية، تمارس نجاة البكري دور الباحثة، وهو الدور الذي انعكس عليها خلال مسيرة عملها المهني على مدى سنوات عديدة في هذا المجال. فنجد في حواشي الكتاب معلومات عن طبيعة بعض المناطق وسبب تسميتها وعادات أهلها وغير ذلك، وفي ذات السياق تتناول الكاتبة بإسهاب واقع المرأة في المجتمع الفلسطيني، وترى الكاتبة أن هذا الواقع بحاجة لنضال طويل، لتأخذ المرأة مكانتها في هذا المجتمع الذي يتعامل بحذر مع الانفتاح كجزء من مساعيه للحفاظ على الهوية الثقافية والاجتماعية أمام الاحتلال.

تتوقف الأحداث عند العام 2002، رغم أن الكاتبة عاشت في فلسطين نحو عشر سنوات بعد ذلك، ما يفتح قريحة القارئ على جزء آخر يتناول شهادتها عن تلك الفترة.

وبالمجمل فإنّ كتاب "ولي خطوات في فلسطين" يقدم شهادة هامّة لامرأة تونسية عايشت الواقع الفلسطيني فترةً ليست بالقصيرة، وهي التي كانت قبل ذلك كغيرها من العرب والمتعاطفين مع القضية، تحمل صورة مقدسة للمجتمع الفلسطيني، لتكتشف أن هذا المجتمع كغيره يتأثر بالبيئة المحيطة، وفيه من السلبيات كما فيه من الإيجابيات.

كما تحمل شهادتها توثيقاً لصوَر من معاناة المواطن الفلسطيني عاشت جزءاً منها، وجسّدت الصمود الفلسطيني على الأرض ومقاومة المحتل مهما بلغت التضحيات، وفي ذلك رد على الأصوات النشاز التي ظهرت مؤخراً في بعض البلدان، وتتعرض للشعب الفلسطيني، في محاولة لتبرير هرولتها للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024