مسؤولة أممية: شمال قطاع غزة يعاني مجاعة شاملة تتجه إلى جنوبه    انتشال جثمان شهيد ثانٍ من تحت ركام المنزل الذي هدمه الاحتلال في دير الغصون شمال طولكرم    مستعمرون يعطبون مضخات مياه في الأغوار الشمالية    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة الى 34,654 والاصابات إلى 77,908 منذ بدء العدوان    الاتحاد الأوروبي: ملتزمون بحماية استقلال المحكمة الجنائية والتهديدات ضدها غير مقبول    الاحتلال يشدد إجراءات دخول المسيحيين إلى القدس لإحياء الشعائر الدينية بـ"سبت النور"    طلاب في جامعة "برينستون" الأميركية يضربون عن الطعام تضامنا مع غزة    مجلس الأمن يعقد اجتماعا الأسبوع الجاري بشأن المقابر الجماعية في قطاع غزة    مع دخول العدوان يومه الـ211: الاحتلال يواصل قصفه الصاروخي والمدفعي على قطاع غزة مخلّفا عشرات الشهداء والجرحى    الحراك الطلابي التضامني مع قطاع غزة يمتد إلى جامعات جديدة حول العالم    الاحتلال يشرع بهدم المنزل المحاصر في دير الغصون شمال طولكرم    شهداء وجرحى في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    انتشال جثامين 7 شهداء من مدينة خان يونس    قوات الاحتلال تحاصر منزلا في بلدة دير الغصون شمال طولكرم    دويكات: الأجهزة الأمنية تعاملت مع شخص أطلق النار على دورية للأمن في طولكرم  

دويكات: الأجهزة الأمنية تعاملت مع شخص أطلق النار على دورية للأمن في طولكرم

الآن

في إحدى مدن الحرب التي غيرت العالم

مواطنون فلسطينيون يمرون بالقرب من النصب التذكاري الألماني وسط مدينة جنين

جميل ضبابات

مرحبا بكم في إحدى القواعد الجوية العسكرية الألمانية، حيث معارك الحرب العالمية الأولى دارت أيضا هنا!

وهذه السنة المائة إلا أسبوع بعد انتهاء الحرب، ولا يمكن بشكل واضح تلمس آثار الحياة إلا من خلال حركة بضعة حراذين تتحرك ببطء وحذر على جدران آيلة للسقوط تركتها تلك الحرب وراءها شمال مدينة جنين في الضفة الغربية.

وهذه الزواحف وتسمى حراذين الجبل في الأرض الفلسطينية، تعطي معنى للحركة في ما كان يشكل في تلك الحرب مطارا عسكريا ألمانيا في أقصى شمال الضفة الغربية على بعد عشرات الأمتار من الخط الأخضر.

هذا اليوم، يكون قد مر على هذه المدينة قرن كامل من خروجها من واحدة من حروبها الكثيرة.

فقبل مئة عام من اليوم، لم يكن بمقدور هذه الزواحف التحرك إلى جانب هدير الطائرات الألمانية المشاركة في معارك الحرب العالمية الأولى، والتي كانت تقلع من هنا لمناورة طائرات الإنجليز وحلفائهم.

ولأمانة الدقة في الاستنتاج، لا يمكن الحسم إذا كانت تلك الزواحف فعلا قادرة على التعايش مع صوت محركات الطائرات الألمانية في ذلك الوقت.

إنها جنين بعد قرن من وقوعها ضمن مدن الحرب العظمى.

المدينة الفلسطينية التي كانت مسرحا من مسارح تلك الحرب التي يحيي زعماء نحو 70 دولة في العاصمة الفرنسية باريس بعد اقل من أسبوع المئوية الأولى لنهاية الحرب التي بدأت برصاصة وانتهت بعشرة ملايين قتيل عسكري وملايين من المدنيين كما تتفق مصادر تاريخية.

ذات صباح من أيام شهر تشرين ثاني من 2018، كانت جنين- وهي جنة الحلوى الفلسطينية الشهيرة -الهريسة تشهد حركة تجارية نشطة.

وكان كثير من سكانها المتجولين على بعد أمتار من رموز تلك الحرب.

وعلى سبيل المصادفة، يفيد عدد من سكان المدينة وهم من أجيال عمرية متقاربة، انه يتذكرون تلك الحرب أكثر من غيرهم في الأرض الفلسطينية، لأنهم يرون ما يذكرهم بها.

ليس المطار الذي لم يبق منه أثر سوى تلك الجدران، إنما صرح تذكاري وضع لتخليد ذكرى الجيش الألماني في وسط المدينة التي شهدت تحولات كثيرة منذ تلك الحرب التي انتقلت بها من حكم إلى آخر حتى أصبحت إحدى المحافظات الفلسطينية التي انسحب منها جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد اتفاقية الحكم الذاتي.

وصحيح، أن ما جرى في جنين في تلك الأعوام لا يبدو أكثر من ومضة من نيران تلك الحرب، لكن الصرح المقام هنا منذ أيام الحرب الأخيرة يذكر بأهوال تلك السنين.

وعلى الرغم من ذلك فان المعلومات الدقيقة عند كثير من المارة غير متوفرة حول الصرح الألماني.

كانت المدينة الواقعة في الجزء الشمالي من الضفة الغربية مسرحا لحروب كثيرة.

فعبر سنوات كثيرة عاش سكانها في مسرح تلك المعارك التي كان أكبرها حربا عالمية كبيرة قبل 100 عام، وأصغرها دخول قوة عسكرية إسرائيلية بين فترة وأخرى.

لكن ماذا حدث قبل 100 عام هنا؟

بعد طلعة جوية اشتبكت فيها قطاع الطيارين الألمان 303 مع طائرات انجليزية في 13 تشرين الثاني 1917 سقطت إحدى الطائرات الألمانية هنا.

وقتل عدد من الجنود الألمان إثر وقوع طائرتهم.

لا يمكن النظر إلى حال جنين الآن كما كانت قبل 100 عام من الزمن.

كانت جنين التي ارتفع عدد سكانها حسب نتائج آخر إحصاء فلسطيني رسمي إلى 50 ألف يضاف إليها 11 داخل مخيم اللاجئين الذي يحمل أيضا اسمها، قرية صغيرة لا يتعدى سكانها في ذلك الوقت 2000 الذي اطلق فيها الطالب الصربي غافريلو برينسيب النار على ولي عهد النمسا الارشيدوق فرانس فرديناند أثناء زيارته لسيراييفو في 28 حزيران 1914.

بالنسبة لأسيد الدحلة ( 36 عاما) وهو ابن عائلة امتهنت التصوير منذ عقود، فان "الحرب كانت جزءا من تاريخ المدينة".

وهذه المرة الأولى التي يدخل فيها الشاب النصب التذكاري، بعد ان اكتفى في السنوات الماضية مشاهدته من بعيد كما قال لمراسل (وفا).

ومثلها مثل مدن كثيرة في العالم تغيرت جنين عبر القرن الماضي. لكن نتائج الحرب كانت ان وقعت تحت احتلالين آخرين انجليزي وإسرائيلي.

لقد وقعت جنين بعد انتهاء تلك الحرب تحت الاحتلال البريطاني. وفي العام 1976 وقعت تحت الاحتلال الاسرائيلي.

بالنسبة لأيمن أبو الرب وهو رجل حاد النظرات ويملك رواية واقعية عن التغييرات التي وقعت في جنين وفلسطين فان تلك الحرب " كانت صراعا لتقسيم الوطن العربي". وهو ذاته دفع ثمنا كبيرا نتيجة احد الاحتلالات التي أفضت إليها الحرب، فقد تلقى حكما إسرائيليا للسجن مدى الحياة مرات عديدة.

وقال أبو الرب، وهو من قرية مسلية وتقع إلى الجنوب من المدينة" من نتائج تلك الحرب هذا الوضع الآن في فلسطين".

وأمكن لكثير من السكان الذين مروا الى جانب الصرح، ان يعطوا روايتهم الخاصة عن التغييرات التي حصلت في المدينة منذ ذلك الوقت، رغم انه من أجيال لم تشهد لا نهاية تلك الحرب ولا بداية الاحتلالين اللاحقين.

بدأ ابو الرب حياته ناشطا في خلايا لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، وسرعان ما حمل السلاح عندما اندلعت الانتفاضة الشعبية الاولى في العام 1987، قبل أن يزج في السجون الإسرائيلية ويفرج عنه في العام 1998.

ويروي الرجل، وهو يحمل اليوم رتبة عسكرية متقدمة في الأمن الفلسطيني كيف انتقلت فلسطين من تلك الحرب إلى الاحتلال الإسرائيلي في نهاية المطاف.

وقال انه شهد تغييرات كثيرة في المدينة في سنوات عمره التي قضى جزءا منها مكافحا ضد الاحتلال.

 وجنين المدينة التي ايضا تعرضت لهجوم قوات نابليون أثناء الحملة الفرنسية، كانت في قلب الأحداث الكبرى في الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي أصبحت مسلحة.

في الأول من ابريل عام 2002 اجتاح الجيش الإسرائيلي المدينة والمخيم، وجرى قتال مسلح سالت أثره دماء العشرات من الفلسطينيين وتكبد الجيش الإسرائيلي خسائر في صفوف قواته. كانت هذه العملية أيضا علامة فارقة في تاريخ المدينة.

من قمة جبل يشرف على المدينة من الناحية الشرقية تبدو المدينة تلحق بركب المدن الفلسطينية الأخرى؛ عمارات تجارية متعددة الطبقات في مركزها التجاري بنوافذ تطل على مرج بن عامر.

وتختلط أجيال مختلفة من تلك البنايات يعود بعضها إلى حقبة الحرب العظمى مثل محطة القطار العثماني الذي ساعد الألمان أنفسهم في بنائها في المدينة.

في الوقت الحالي تبدو المدينة الحديثة التي كانت واحدة من جبهات تلك الحرب الملتهبة بعيدة عن الحروب القديمة.

فكثير من النشاط التجاري اليومي يطغى في الأسواق على الأجواء العامة.

مع ذلك قصة الحرب العالمية الأولى وسط المدينة قرب الصرح التذكاري الألماني الذي أقامه الألمان أنفسهم في العام 1917 لم تنته.

وقال احمد طحاينة ( 36 عاما) وهو يقطع طريقا  شهيرا في المدينة يسمى شارع حيفا حيث يقع عن بدايته الصرح" هذا يذكرنا بالحرب والدمار(...) ماذا تعني كلمة حرب. إنها الويلات والمآسي في كل العالم".

وتشير قياسات متطابقة نسبيا، إلى أن الصرح وهو من بناء حجري أجريت عليه تعديلات وترميمات متعددة يرتفع ثلاثة أمتار ويحمل على واجهته الجنوبية وكتب عليه في اللغة الألمانية" في ذكرى الشرف لموتانا الذين سقطوا في الحرب، قطاع الطيارين 301".

ونادرا ما يلقى المارة بالا للصرح التذكاري.

ويمر زائرون وسكان محليون وصبية بخطى سريعة دون الالتفات للبناء الحجري، لكن طلال جرار وهو شاب في منتصف الثلاثينات من عمره يقول" أنا انتبه لهذا الصرح كل يوم. حتى من اليابان وصلوا إلى هنا لزيارته(...) انه يذكر الكل بالموت والدمار".

ويردد مارة آخرون المعنى ذاته.

تشهد جنين أيام السبت ( هذا اليوم) حركة نشطة مضاعفة، فكثير من الفلسطينيين الذي يسكنون المدن داخل أراضي عام 1948 يجتازون شارع حيفا متوجهين إلى الأسواق المكتظة، وعندما تصل مركباتهم الى الركن الذي بني فيه الصرح، تتوقف إعطاء حق الأولوية لمركبات تقطع شارع مقابل  يمكن ان يشاهد من داخلها الصرح دون أن ينبس بكلمة واحدة.

لقد أصبح الصرح جزءا من تاريخ المدينة بعد الحرب.

ويقول الدحلة" انها مكان لوصف المكان. أصبح المكان مرتبطا بهذا الصرح". 

وحتى اولئك المزارعين الذين كانوا يعملون في محيط أرض المطار لم يلقوا بالا لتلك الجدران، الشاهد المادي الأخير على طلعات الطائرات الألمانية.

وبعضهم قال إنه لا يعرف عن الجدران شيئا. ويشكك آخرون أنها تعود لتلك الحقبة.

إن ما كان في زمن الحرب أصبح علامات لذكرى لم يرها الكثيرون في جنين لكنهم ما زالوا يعيشون نتائجها في تاريخ مكتظ بالأحداث الكبيرة التي شهدتها هذه المدينة.

ذاته أبو الرب يقول" سمعت عن الصرح في طفولتي، لكن لم أره إلا عندما أصبحت في سن الـ 19".

ــــــ

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024