بوريل: لا مكان آمن في قطاع غزة ونحن على مشارف أزمة إنسانية كبرى    ارتفاع حصيلة عدوان الاحتلال على قطاع غزة إلى 34789 شهيدا و78204 اصابات    الاحتلال يعتقل 22 مواطنا من الضفة بينهم طفل جريح    الحراك الطلابي يتسع.. انضمام جامعات جديدة في العالم دعما لفلسطين    21 شهيدا وعشرات الاصابات في قصف الاحتلال المتواصل على قطاع غزة غالبيتهم من رفح    الاحتلال يحتل معبر رفح ويوقف حركة المسافرين ودخول المساعدات إلى قطاع غزة    الاحتلال يشدد إجراءاته العسكرية على حاجز تياسير شرق طوباس    في اليوم الـ214 من العدوان: شهداء وجرحى في سلسلة غارات عنيفة على رفح وغزة وجباليا    الهلال: الاحتلال يحاصر مجموعة من المتطوعين داخل منزل في مخيم طولكرم    الأونروا: الهجوم على رفح يعني المزيد من المعاناة والوفيات    الاحتلال يطالب المواطنين بإخلاء رفح جنوب القطاع    "جوال" تعلن عن وجود خلل عام يؤثر على خدمات الاتصال الخلوي    خريجون يرفعون العلم والكوفية الفلسطينية أثناء حفلات التخرج في الجامعات الأميركية    الاحتلال يهدم طابقا من منزل ومنشأة تجارية في رأس كركر شمال غرب رام الله    في اليوم الـ 213 من العدوان: استشهاد 22 مواطنا بينهم 8 أطفال إثر غارات للاحتلال استهدفت 11 منزلا في رفح  

في اليوم الـ 213 من العدوان: استشهاد 22 مواطنا بينهم 8 أطفال إثر غارات للاحتلال استهدفت 11 منزلا في رفح

الآن

الضرير المبدع

 معن الريماوي

قبل الإصابة بشهرين، دفع الفضول طاهر عودة لدخول جمعية المكفوفين العربية في البلدة القديمة من القدس، برفقة صديقه أحمد. وقفا للحظات أمام عتمة الجمعية، وقد انبهرا بالطريقة الاحترافية التي يقوم بها المكفوفون في صناعة المكانس الخشبية، وتقطيع الخشب والخيزران. حتى جاء صوت من الخلف "رجاء غادرا المكان".

غادر طاهر الجمعية، ولم يكن يتوقع ولو للحظة بأنه سيضطر لدخولها في يوما من الأيام، ويصبح عضوا فيها.

في العام 1990، أصيب عودة برصاصة طائشة في رأسه لتخرج من الجهة المقابلة، أثناء توجهه لعمله في صالون الحلاقة الذي يملكه خاله. بعد عام واحد من تركه للمدرسة. في ذلك العام اقتحم مستوطنون ساحات المسجد الأقصى بحماية جنود الاحتلال. وأمطر الجنود المصلين بزخات من الرصاص، استشهد 22 مواطنا، وأصيب العشرات بينهم عودة.

فقد عودة (44 عاما) بصره، وبقي حبيس منزله 11 شهرا. لم يتقبل الإصابة في بادئ الأمر. وظن أن الحياة قد انتهت. ومع الأيام بدأ عودة يعود ليتأقلم مع الحياة شيئا فشيئا. وفي أحد الأيام، أقنعه والده بالانضمام للجمعية.

دخل عودة الجمعية، ولكن هذه المرة لم يدخلها بداعي الفضول.

يقول عودة وهو متزوج ولديه طفلان، "دخلت الجمعية، وكنت أعلم علم اليقين بأن الأمر سيكون صعبا. تغلبت كثيرا، وواجهت الكثير من الصعوبات. وبدأت أواصل الليل بالنهار لأتمكن من انجاز العمل بالشكل اللائق والمطلوب، إلى أن  اتقنت المهنة. كيف لا وأنا أعمل في الجمعية منذ 29 عاما".

وتابع "لا أزال إلى اليوم أتذكر المرة الأولى التي صنعت فيها أول مكنسة خشبية وحدي. كنت فرحا جدا لأول عمل قمت به، حينها بدأ الجميع بالتصفيق لي. شعرت بأني صنعت شيئا عظيما. كان الأمر صعبا، واستغرقت وقتا طويلا في صناعتها".

"كان من الصعب تقبلي لصغر سني. وكان الجميع يخبرني بأني صغير، ولن أستطيع انجاز المهام بالشكل المطلوب. هذا الأمر الذي دفعني لتطوير نفسي"، يقول عودة.

وأضاف "أشعر بفخر أني أعمل في الجمعية، وأمارس حياتي بشكل طبيعي، كأي انسان في المجتمع، ولا فرق بيننا. آخذ نسبة على العمل الذي أقوم فيه، لكن هذا أفضل من الجلوس في البيت".

وتابع "يعرفني الجميع، سواء أهل سلوان، أو البلدة القديمة، الجميع يتحدث عني، وعن مهارتي في العمل، وعملي فرض احترام الجميع".

جمعية المكفوفين العربية تأسست عام 1932 في القدس، وكان تأسيسها باكورة نهضة للمكفوفين في هذه البلاد، وقد سجلت في وزارة العمل التابعة لسلطة الانتداب البريطاني على فلسطين آنذاك تحت رقم (105)، واحتضنت العشرات من المكفوفين خلال أكثر من 87 عاما، ليصل عدد أعضائها اليوم إلى 150 عضوا، ويعمل في صناعة المكانس والفُرش يدويّا 25 كفيفا.

وتعمل الجمعية على تشغيل المكفوفين وتصريف منتوجاتهم للجمهور عن طريق إنشاء مصانع ومعارض لمنتجاتهم.

وتابع "نقوم بعمل 35 نوعا مختلفا من الفرش والمكانس المصنوعة من الخشب، وشعر النخيل، وقشر جوز الهند، أنا متأكد بأنه من الصعب أن يصدق أي زائر للجمعية بأن الصناعات اليدوية الموجودة هي صناعة مكفوفين، الجميع يشيد بصناعتنا واتقاننا في العمل، حتى الزوار من القدس وغيرها يتفاجأون حين يعلمون بأن الصناعات الموجودة تعود للمكفوفين".

وقال إن صناعة المكانس تمر بمراحل، ويقتضي انتاجها وقتا خاصة، وانهم يعتمدون على حاسة اللمس في عملهم. مشيرا إلى أنه يتم انتاج المكانس والفرش بمختلف انواعها بصناعة يدوية، وهي افضل من صناعة الماكنات بحيث يتم استخدام المواد الطبيعية 100% في العمل.

وعن الصعوبات، يقول عودة "نظرة الناس السلبية تجاه الأشخاص ذوي الاعاقة، لأنه لا يوجد وعي كاف عند الجميع في هذا الجانب. لكن هذه النظرة غالبا ما تتلاشى بفعل عاملي الخبرة والمهارة، فضلا عن الصعوبات التي نواجهها في الحركة والتنقل".

وأضاف "علاقتي مع زملائي قوية جدا، تعودت على العمل معهم، لا يمر يوم من دون أن نضحك، نتمازح مع بعضنا. الزيارات بشكل دائم بيننا. نشعر خلال الجلسة وكأننا نرى بعضنا البعض. وإذا جاء ضرير جديد للجمعية، نقوم بمساعدته وتدريبه حتى يصبح متميزا في الأداء".

ما أن ينهي عودة عمله في الجمعية، حتى يتوجه إلى مسجد بلال بن رباح في البلدة القديمة، لأداء صلاتي العصر والعشاء.

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024