مسؤولة أممية: شمال قطاع غزة يعاني مجاعة شاملة تتجه إلى جنوبه    انتشال جثمان شهيد ثانٍ من تحت ركام المنزل الذي هدمه الاحتلال في دير الغصون شمال طولكرم    مستعمرون يعطبون مضخات مياه في الأغوار الشمالية    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة الى 34,654 والاصابات إلى 77,908 منذ بدء العدوان    الاتحاد الأوروبي: ملتزمون بحماية استقلال المحكمة الجنائية والتهديدات ضدها غير مقبول    الاحتلال يشدد إجراءات دخول المسيحيين إلى القدس لإحياء الشعائر الدينية بـ"سبت النور"    طلاب في جامعة "برينستون" الأميركية يضربون عن الطعام تضامنا مع غزة    مجلس الأمن يعقد اجتماعا الأسبوع الجاري بشأن المقابر الجماعية في قطاع غزة    مع دخول العدوان يومه الـ211: الاحتلال يواصل قصفه الصاروخي والمدفعي على قطاع غزة مخلّفا عشرات الشهداء والجرحى    الحراك الطلابي التضامني مع قطاع غزة يمتد إلى جامعات جديدة حول العالم    الاحتلال يشرع بهدم المنزل المحاصر في دير الغصون شمال طولكرم    شهداء وجرحى في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    انتشال جثامين 7 شهداء من مدينة خان يونس    قوات الاحتلال تحاصر منزلا في بلدة دير الغصون شمال طولكرم    دويكات: الأجهزة الأمنية تعاملت مع شخص أطلق النار على دورية للأمن في طولكرم  

دويكات: الأجهزة الأمنية تعاملت مع شخص أطلق النار على دورية للأمن في طولكرم

الآن

الأرض المعدومة

 زهران معالي

مبانٍ توسعت أفقيا وعموديا واستطالت باتجاهات متعددة، وغرباء استوطنوا الأرض وزرعوا الحقول وغرسوا كروم العنب، وربوا قطعان الأغنام، واستغلوا ما استولوا عليه من موارد طبيعية.

مشاهد شوهت قمة جبل "الشيخ بلال" أو الجبل الكبير التابع لأراضي قرى سالم وعزموط ودير الحطب شرق نابلس في الضفة الغربية المحتلة، يتباهى بها مستوطنو "ألون موريه" المقامة أعلى الجبل، فلم يكتف اؤلئك بسرقة الأرض فقط، بل أسلوب الحياة أيضا.

تلك المشاهد التي ميزت حياة الفلاحين الفلسطينيين في القرى الثلاث قبل إقامة المستوطنة عام 1980، تلاشت رويدا رويدا مع كل طوبة جديدة تستوطن المكان، وكل حَمَل يولد في حظائر تبنى هناك، فهندسة الاستيطان العدائية خطفت قمة جبل "الشيخ بلال" وما حوله وغيرت وجه المكان وقلبه، فلا زيتونة فلسطينية تزرع هناك ولا مكانا لرعي الأغنام في "الأرض المعدومة" منذ ما يقارب 39 عاما.

بلغ عدد المواقع الاستعمارية والقواعد العسكرية الإسرائيلية نهاية 2017 في الضفة الغربية 435 موقعا، منها 150 مستعمرة و116 بؤرة استعمارية، وشهد عام 2018 زيادة كبيرة في وتيرة بناء وتوسيع المستعمرات في الضفة، وصادق الاحتلال على بناء حوالي 9,384 وحدة استعمارية جديدة، اضافة الى إقامة 9 بؤر جديدة.

"نهاية كانون الأول/ ديسمبر عام 1979، حدّقت عيون سكان قرى سالم وعزموط ودير الحطب في طائرات إسرائيلية عكّر هدير محركاتها هدوء المنطقة، تدلت منها منازل متنقلة حطت على قمة جبل "الشيخ بلال"، كبرت اليوم وتسمّنت وباتت بنايات ضخمة"، وفق رئيس مجلس قروي عزموط السابق وائل علاونة.

وأقيمت مستوطنة "ألون موريه" التي يعني اسمها باللغة العربية "المعلم الكبير"، في البداية داخل معسكر لجيش الاحتلال الإسرائيلي أواخر عام 1978، لتستوطن فيها 25 عائلة من حركة "غوش أمونيم" الاستيطانية قرب قرية روجيب، لكن بعد رفضٍ فلسطيني وعربي وعالمي واسع عام 1979؛ قررت حكومة الاحتلال نقلها إلى موقعها الحالي.

ويشير علاونة إلى أن قرية عزموط تمتد على 13 حوضا بمساحة 13 ألف دونم، سرق الاحتلال بادئ الأمر حوض رقم "6" وأقام عليه المستوطنة بذريعة أنه "أراضي دولة"، وحرم أهالي القرية من الدخول لثلاثة أحواض أخرى إلا بإذن مسبق للحراثة وقطف الزيتون، فيما يمنع قطعيا الدخول لثلاثة أحواض أخرى المعروفة بـ"الأرض المعدومة".

"أراضي الدولة" مصطلح يستخدمه الاحتلال الإسرائيلي في وصف الأراضي الفلسطبينية غير المسكونة أو المزروعة لنحو ثلاث سنوات، لتسهيل الاستيلاء عليها وضمها للمستوطنات أو لاستخدامها لأغراض عسكرية.

وما ينطبق على قرية عزموط، تتجرعه قريتا سالم ودير الحطب كذلك.

بلغ عدد سكان قرية عزموط 3440 نسمة، ودير الحطب 2838 نسمة، وسالم 6266 نسمة، وفق التعداد السكاني الفلسطيني للعام 2017.

أهالي عزموط اضطر بعضهم للتوسع العمراني عمودياً، ورحل آخرون للسكن في مدينة نابلس، نظرا لانحسار المساحات التي لا يمنع الاحتلال البناء فيها.

تتوزع أراضي القرية بين ثلاثة آلاف دونم واقعة ضمن المنطقة المصنفة "ب" و10 آلاف دونم واقعة ضمن المنطقة المصنفة "ج" وفق اتفاقية أوسلو، وتمنع سلطات الاحتلال المواطنين من البناء فيها.

يستغل الاحتلال الإسرائيلي بشكل مباشر حوالي 2,642 ألف دونم من الأراضي المصنفة "ج"، وتشكل ما نسبته 76.3% من مجمل المساحة المصنفة "ج"، والتي تبلغ مساحتها 3,375 ألف دونم.

وائل علاونة يملك 50 دونما في الأرض المعدومة، ولا يسمح له الاحتلال منذ أكثر من 30 عاما من الوصول إليها، "لا يوجد أحد في القرية لا يملك أراضا في المنطقة المحرمة على أصحابها" كما يقول.

اختطفت مستوطنة "ألون موريه" مقام الشيخ "بلال بن رباح" المقام على مساحة 10 دونمات، وهو وقف إسلامي يطل على الأغوار الفلسطينية والأردنية، ويستغل اليوم كمزار سياحي للمستوطنين، بعد أن كان يشكل مقصد أهالي القرى الثلاث لذبح النذور وإقامة الحفلات الدينية والاجتماعية.

أكملت سلطات الاحتلال الطوق على القرى الثلاث عام 1996، عندما شقت طريقاً استعمارية بعرض 20 مترًا لتصل إلى مستوطنة "ألون موريه"، وتربطها مع مستوطنة "ايتمار" ومعسكر حوارة إلى الجنوب من نابلس؛ ليطوقها من الجنوب والشرق والشمال؛ ويعزل معظم أراضيها.

المزارع نور الدين تيسير، الذي خسرت عائلته 25% من مساحة أراضيها المكونة من 146 دونما لصالح الطريق الاستيطانية، يستذكر عمل والده وجده في الأرض، "قبل إقامة المستوطنة، كانت الأرض تزخر بآلاف أشجار الزيتون من النوع التركي والأمريكي واليوناني، أكثر من عشرين نوعا، لكن لم يعد يتواجد فيها اليوم إلا البلدي فقط، والأخرى جفت نتيجة انعدام العناية واعتداءات المستوطنين".

ويصف تيسير السلاسل الحجرية التي بنتها عائلته والمغطاة بكروم العنب باللوحة الهندسية التي اختفت ملامحها، فلا تين ولا عنب ولا لوز في الأرض، كلها ماتت وقطعت باعتداءات المستوطنين، ويضيف" كانت الأرض تنتج قرابة 10 آلاف طن من زيت الزيتون سنويا، لكن الموسم الماضي لم تنتج سوى 3 أطنان".

خلال 2018، جرف الاحتلال واقتلع 7122 شجرة، وبذلك يبلغ عدد الأشجار التي تم اقتلاعها أكثر من مليون شجرة منذ العام 2000، وحولت آلاف الدونمات للمستعمرين لزراعتها، وبلغت المساحة المزروعة في المستوطنات في الفترة ذاتها حوالي 110 آلاف دونم غالبيتها من المزروعات المروية. 

"أشعر بالقهر كلما نظرت إلى الأرض. المستوطن يزرع ويربي الأغنام. ونحن لا يسمح الاحتلال لنا بالوصول سوى لـ10 أيام في السنة لقطف الزيتون و3 أيام أخر لحراثتها"، قال نور الدين تيسير الذي لم يغرس منذ أكثر من 20 عاما زيتونة واحدة في أرض العائلة، "إذا كانت زيتونة عمرها أكثر من 60 عاما لا أستطيع الاعتناء بها، كيف تنمو أغراس صغيرة تحتاج للري باستمرار؟".

في المقابل، تزدهر "ألون موريه" زراعياً، وأقام المستوطنون فيها كنيسًا وروضة أطفال ودار حضانة، ومدرسة محلية، وعيادة طبية وسوقًا تجارياً، وتضم مؤسستان تعليميتان تعملان هما: مدرسة تأهيل المعلمين والحاخامات ومعهد "ملكات هسديه" الذي يعمل من أجل تعميق الارتباط الديني مع الأرض والقيم.

ويضع الاحتلال كافة العراقيل لتشديد الخناق والتضييق على التوسع العمراني للفلسطينيين خاصة في القدس والمناطق المصنفة (ج) في الضفة الغربية، إضافة إلى جدار الضم والتوسع، الذي عزل خلفه أكثر من 12% من مساحة الضفة.

يستعيد عمر حلمو الذي تملك عائلته 100 دونم في الأرض المعدومة ذكريات طفولته، "نشأنا في تلك الأرض نساعد أهلنا في جمع محاصيلها الشتوية والصيفية، وكنا نرعى مواشينا فيها بعد اليوم المدرسي، وكنا نذهب إليها ونعود متى شئنا، أما الآن فقد حرمنا من زيارتها إلا في مواعيد يتحكم بها الاحتلال".

ويضيف حلمو "كانت أرضنا مزروعة بقرابة 4000 آلاف شجرة زيتون غرسها أجدادي في الفترة بين (1930-1940)، لكن اعتداءات المستوطنين قضت على أكثر من ألف منها".

بدأت سلطات الاحتلال عام 1980 بإقامة منطقة صناعية تابعة لمستوطنة "ألون موريه"، واليوم أصبحت تضم منشآت تنتج صفائح معدنية تستخدم في تصفيح الدبابات، وقطع غيار عسكرية، وأجهزة إلكترونية وأدوات كهربائية.

وبلغت مساحة مناطق النفوذ في المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية 541.5 كيلو متر مربع كما هو الحال في نهاية العام 2018، وتمثل ما نسبته حوالي 9.6% من مساحة الضفة، فيما تمثل المساحات المستولى عليها لأغراض القواعد والمواقع العسكرية حوالي 18% من مساحة الضفة.

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024