الأحمد يهنئ فهد سليمان بانتخابه أميناً عاماً لـ"الجبهة الديمقراطية" ونجاح المؤتمر الثامن    فتوح: قمع الحراك الطلابي في الجامعات الأميركية يكشف زيف وكذب إدارة بايدن    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 34305 والاصابات إلى 77293 منذ بدء العدوان    الاحتلال يعتقل 15 مواطنا من الضفة    الاحتلال يغلق الحرم الإبراهيمي بحجة الأعياد اليهودية    234 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى    مع دخول العدوان يومه الـ201: الاحتلال يكثف غاراته على قطاع غزة مخلّفا شهداء وجرحى    برنامج الأغذية العالمي: نصف سكان قطاع غزة يعانون من الجوع    شهداء وجرحى في غارات إسرائيلية على قطاع غزة    قوات الاحتلال تقتحم قرى في محافظة جنين    الخارجية الأميركية: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    الصحة: ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة والضفة إلى34637 منذ السابع من تشرين الأول    في اليوم الـ200 للعدوان: شهداء وجرحى في قصف على مناطق متفرقة من قطاع غزة    المعتقل عزات غوادرة من جنين يدخل عامه الـ22 في سجون الإحتلال    200 يوم من العدوان: الاحتلال يستهدف شواطئ غزة وسلسلة غارات شمال القطاع  

200 يوم من العدوان: الاحتلال يستهدف شواطئ غزة وسلسلة غارات شمال القطاع

الآن

كريم يونس.. كما لم تعرفوه!!!

بقلم الأسير: أسامة الأشقر*

التقيت بكريم قبل شهر وأكثر وقد تعمدت في هذا اللقاء أن أسأله في كل يوم فقط سؤالا أو سؤالين، فهو في أيامه الأخيرة قبل الحرية ولا أريد ان أثقل عليه. وأستطيع الآن قبل يومين من الإفراج عنه أن ألخص انطباعاتي عن شخصية تلخص الحكاية الفلسطينية بكل تفاصيلها.

كريم يونس الإنسان قبل المناضل والقائد المتوازن كما هو المفكر والمحلل السياسي كما هو الطفل الخجول، كريم يونس الذي سيعانق أرض عارة بعد أربعين عاما على فراقها بدأ ينظر للحياة بألوانها الزاهية بعد أن غاب عنه بريقها طوال هذه السنوات.

كان سؤالي الأول لكريم: كيف هي مشاعرك؟ توقف ونظر إليّ ثم شهق شهقة تحدث عما فيها من جراح فقال: "بتعرف مش عارف هو أنا لم يبقَ لديّ مشاعر أم أن الأمر تداخل عليّ فعلا.. أنا مش عارف شو مشاعري وبصراحة بعدني ما فكرت بشيء محدد.. بشعر إن العاطفة عندي تجمدت بعد أربعين سنة".

تدخلت بسؤال آخر: وكيف تمر الأيام عليك هل هي ثقيلة؟ فقال: "بدك الصراحة بعدني شايف الأمر عادي يعني ما بفكر كثير في الأمر".

تركت كريم لأيام وأنا أراقبه يخرج صباحا لساعة الرياضة ويتمشى بالساحة في ساعة الظهيرة وكذلك له ساعة مسائية كل يوم وأنا أتابعه عن بعد.

يوم السبت الأخير جلست بالقرب منه وسألته إن كان بخير فضحك وهز برأسه فقلت له: أنت الآن بالآواخر، والآواخر في لغة السجن تعني آخر سبت، آخر حلقة وآخر أكلة مقلوبة وآخر أكلة مجدرة. سألته عن الاستقبال فقال: "أنا أبلغتهم بديش يصير إشي بالاستقبال وأنا مش معني بأكثر من سيارة أو سيارتين حد أقصى للاستقبال، إنت بتعرف الوضع السياسي والحكومة الجديدة بإسرائيل وبدناش يحصل أي مشاكل تعطل أو تأخر الإفراج".

تحدث معي كريم كطفل بكامل أناقته وبراءته، تحدث عن أفواج الزائرين لبيته وأنه محرج جدا من هذا الالتفاف الكبير حتى أنه يخجل من التحدث معهم فهو كما يقول: "مش شاطر كثير بالعلاقات الاجتماعية" ولا يعلم بعد كيف سيبدأ من جديد بعد أربعين سنة، حتى الإعلام فهو يرى بأن الإعلام يسلط الضوء بشكل كبير عليه حتى قبل الإفراج عنه. استفزني تواضعه فقلت له أنهم تأخروا كثيرا.. أربعون عاما قضيتها لكي يعيش شعبنا بحرية.

كريم يونس.. الرجل العنيد الذي استدعاه ضابط الشاباك قبل أيام ليخيفه، فرد عليه بكبرياء الفلسطيني الشامخ قائلا له: أنت ودولتك الفاشيين أنتم دولة إرهاب وعنصرية وأنت لا تمن عليّ بالإفراج بعد أربعين عاما، حكومتك الجديدة فيها ثلاث شخصيات إرهابية أدينوا بقتل فلسطينيين ولم يمضوا بالسجن أكثر من ثلاثة أعوام وهم الآن من أكثر الشخصيات المؤثرة في ائتلافكم الحكومي.

بعد أيام تحدثنا عن الأحوال السياسية وأوضاعنا الداخلية فطلبت من كريم أن يعبر عمّا يجول بخاطر كل أسير وألا يجامل الفصائل أو القيادة فلم يبقَ أي مجال للمجاملات، حتى سألته ألا يشكر أحد فالجميع قصر معه ومع الأسرى حتى هذه فقد رفضها كريم وقال انه لا يستطيع إلا أن يشكر من يقيم له احتفالا أو يقدم له درعا أو يقول بحقه كلمة خير، فهو يرى أن من واجبه كواجهة للأسرى أن يمثلهم بأفضل شكل.

يوم الإثنين اتفقنا انا وباسم خندقجي على زيارة كريم زيارة الوداع، جلسنا وتحدثنا مطولا حول أوضاعنا السياسية وإجراءات حكومة الاحتلال وأهمية ان يكون لدينا استراتيجيات مختلفة، فإسرائيل لا تقيم أي اعتبار لأي قرارات أممية أو دولية وهذا لا يعنيها بشيء. وقبل أن ننهي حوارنا قال كريم بعض كلامات زلزلت كلماتي رأسا على عقب.

قال كريم يونس: أنا أعلم بأن رائحة السجن سترافقني طوال حياتي حتى لو خلعت جلدي فأنا لن أستطيع ذلك فكل شيء فيّ يفوح منه السجن، السجن يسكن في كل جوارحي وسيرافقني حتى أيامي الأخيرة، كذلك أنا لن أجامل أحد في موضوع الأسرى.

هذا هو الكريم الذي حاولت دولة الكيان قتل روحه فخرج بروح تفوح منها رائحة الكرامة، خرج منها بوطنية جامعة تتعدى حدود الوطن ليحمل هم أهله في الشتات خرج منها معتذرا لإخوانه على تحرره على الرغم من أنهم وأنا منهم لم نكن قد خلقنا عند اعتقاله وهو يعتذر منا الآن، نحن وفلسطين نعتذر منك أيها الكريم على هذا الكرم بالعمر والتضحيات والأخلاق والمُثل التي ستبقى تدرس سنوات طويلة.

---------

كتب المقال يوم الثلاثاء الموافق 3-1-2023

* معتقل هداريم

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024