احذروا من الحلم أنتم في غزة
عماد عبد الرحمن - بعد انقشاع غبار الحرب عن مدينة غزة, بدأت تقضم فصول المعاناة التي ألمت بالغزيين, معاناة بالأصل كانت موجودة وما كان من الحرب الا أن زادتها، فقطاع غزة بمثابة قنبلة موقوتة حيث الكثافة السكانية الأكبر عالميا، ومساحة جغرافية ضيقة، ناهيك عن سنوات طويلة من الحصار ونسب بطالة مرتفعة، واقتصاد مدمر.
كل هذا لم يستطع أن ينال من عزيمة واصرار سكان تلك البقعة الضيقة في ممارسة حقهم الطبيعي في الحياة, فتشبثوا بحقهم وحلموا واجتهدوا لتحقيق حلمهم في فرصة عمل وبيت وزوجة وأولاد، الى أن جاءت الحرب لتحصد أحلامهم، وكأنها تقول لهم أحذروا من الحلم أنتم في غزة.
حياة الشهيد حسام جميل شملخ مثل صارخ لتلك المعاناة حيث الشهيد شملخ من مواليد مدينة غزة عام 1982، قست عليه الحياة كثيرا حتى اضطر لترك دراسته في المرحلة الاعدادية ومساعدة أهله بالزراعة التي اشتهر بها سكان حي الشيخ عجلين.
طمح الشهيد شملخ بتوفير فرصة عمل وتكوين أسرة وبعد عناء استطاع أن يعمل في تفريغات عام 2005 براتب شهري 1000 شيقل، وبعد فترة تزوج من ابنة عمه وأنجب منها جمال 10 سنوات وايمان 9 سنوات وحلا 4 سنوات ومسعود سنتين، قرر بعدها أن يبني منزلا يأوي زوجته وأطفاله، فاقترض من أحد المؤسسات وقام ببناء منزل صغير كان بمثابة دنياه التي يحلم بها، لم يستسلم الشهيد شملخ للديون التي تراكمت عليه بعد بناء منزله المتواضع فواصل العمل ليل نهار بجانب وظيفته لسداد ديونه, الى أن أصيب أثناء فترة عمله كحارس في أحد المنتجعات بمرض يستدعي عملية جراحية عاجلة ويتوجب عليه بعد العملية فترة راحة لا تقل عن شهر, الأمر الذي رفض أن يتقبله شملخ وآثر الاستمرار في العمل وتحمل الآلام التي أصابته جراء مرضه حتى سداد ديونه.
وأثناء الحرب على القطاع وبينما الشهيد شملخ يجتمع مع عائلته في أحد افطارات شهر رمضان فاذا بصاروخ من طائرة استطلاع يستهدف منزله ويسقط وسط غرفة المعيشة المتواجدون بها فتصاب ابنته، تم بعدها اخلاء المنزل، وما هي الا نصف ساعة حتى تم قصف منزله بصاروخ من طائرة اف 16 سوّت المنزل بالأرض وقضت على حلم الشهيد شملخ.
تقبل الشهيد شملخ الأمر بمرارة وحسرة راضيا بأمر الله ولم تغادر ابتسامته وجهه أثناء استقباله من جاؤوا لمواساته ولكن كانت بداخله غصة, كان الشهيد شملخ يذهب كل يوم لمنزله المدمر ويجلس على ركامه ويفكر كيف سيبني منزلا جديدا وهو لم يسدد ديون منزله المدمر.
بعد يومين من تدمير منزل الشهيد شملخ حضر اثنان من أصدقائه لمواساته في بيته المدمر، وبينما كان الشهيد شملخ يحدثهم عما حدث معه أثناء القصف بجوار منزله المدمر باغتتهم طائرة استطلاع بصاروخ وكأنها أدركت أن الشهيد حسام مازال يحلم، فاستشهد حسام شملخ وأحد صديقيه وبترت ساق صديقه الآخر.
رحل الشهيد شملخ تاركا خلفه زوجة و4 أطفال وبيت مدمر وديون متراكمة فهل ستتكرر فصول المعاناة مع أبنائه بعد استشهاده!.